قل موتوا بغيظكم
(رد على استهزاء مجلة شارلي إيبدو برسول الرحمة)
بقلم أ. د. عاصم بن عبدالله القريوتي Alqaryoti@gmail.com
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبي الرحمة محمد بن عبدالله المبعوث للعالمين وبعد:
فتتواصل هجمة أعداء الإسلام وسخريتهم بدين الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم ومن آخر ما اطلعنا عليه ما طالعتنا به وسائل الإعلام أن مجلة شارلي إيبدو” الفرنسية الساخرة المعروفة بعدائها للإسلام، أنها ستحتفي بعودة الشريعة بعدد خاص يتضمن مقالا باسم النبي صلى الله عليه وسلم، مع تعيينه رئيسا لتحرير هذا العدد، الذي سيحمل اسم “شريعة إيبدو”.
وذكرت الصحيفة قبحها الله بمزيد من السخرية من تطبيق الشريعة، في إعلانها للعدد “100 جلدة إن لم تموتوا من الضحك”، ووضعت صورة كاريكاتورية للرسول صلى الله عليه وسلم جالسا وسط نسوة منقبات.
ولقد كنت كتبت مقالًا بعنوان:”الاستهزاء بالنبي محمدٍ ودينه من أعظم موارد الإرهاب” إبان استهزاء الصحيفة الدنمركية: ” جيلاندز بوستن ” Jyllands-Posten عندما نشرت اثني عشر رسماً كاريكاتيرياً ساخراً ، تصوِّر فيه رسول الإسلام محمداً صلى الله عليه وسلم في أشكالٍ مختلفةٍ، وفي أحد الرسوم يظهر مرتدياً عمامة تشبه قنبلةً ملفوفةً حول رأسه !!.
ولقد ذكرت فيه أنه ينبغي أنْ يعلم هؤلاء أنَّ للنبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم مكانةٌ عظيمةٌ في دين الإسلام، وإنَّ من أعظمِ مظاهرِ المحبَّةِ للنبي صلى الله عليه وسلم وأبرزِ دلالاتِ صدقِها أنها تستلزمُ الذَّبَّ عن سُنَّته، لأنها وحيٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
كما أنّ التَّصَدِّي للمغرِضينَ والمستهزئين والمنافقينَ والمنهزِمِينَ الذين يترصَّدون للسنة النبوية الشريفةِ ويسخرون منه صلى الله عليه وسلم من أعظم الواجبات في دين الإسلام.
وإن من تمام النصيحة للنبي صلى الله عليه وسلم ، الإيمان بنبوَّة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ونصرته حياً وميتاً، فمن كان في حياته كان واجباً عليه أن ينصرَه، ومن لم يدرِكْهُ وجب عليه أن ينصرَه، وذلك بالإيمان به صلى الله عليه وسلم وباتباع سنَّته وإطاعةِ أوامرِه واجتناب نواهيه.
ومن لوازمِ النصحِ له صلى الله عليه وسلم العملُ على نشرِ الشريعة الإسلامية والدعوة إليها وتحكيمها ، والتمسُّكِ بآدابها وبما أمرت به ووجهت إليه من تعاليم هذين الوحيين كتابَ الله تعالى وسنَّةَ نبيه صلى الله عليه وسلم، والتحذير من كل ما يسيء إليه وإلى دينه.
وإن نصر السنة والذب عن النبي صلى الله عليه وسلم من تعظيم شعائر الله تعالى.
وأنَّ هذه السخرية وهذه الرسوم لا تمثل رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم بأي حالٍ، لا رسماً ولا دلالةً، إذ إنها لا تعبر عن معالم وجهه المنيرة، والذي يفيض سماحةً وبشراً وسروراً.كما أنها لا تعبر عن سمته وخلقه صلى الله عليه وسلم.
ثم تساءلت أين أن أولئك من الدعاوى البراقة التي تنادي بحقوق الإنسان ؟
أليس من حقوق الإنسان عدم السخرية و الاستهزاء بما يعتقده ؟
أم أن المسلمين في أنحاء العالم عندكم ليسوا من بني الإنسان ؟
و بالتالي لا تشملهم الحقوق !
بل انظروا لأنفسكم كيف تعاملون الحيوان ؟!!
ثم قارنوا بتعاملكم أين أنتم من مراعاة مشاعر المسلمين واحترام معتقداتهم ؟
أليس بالجدير بأن يدرج من يسلك هذا السبيل ويسخر بدين الإسلام ونبيه ويشجِّع على ذلك الإرهاب بأن تتخذ ضده القرارات الدولية لأنه مغذٍ للإرهاب ؟
ثم ما دامت الشعارات الدولية تنادي بتجفيف موارد الإرهاب، أليس من مهامها تجفيف كلَّ موارده بأنواعها وأشكالها ؟
ولا شك ولا ريب أن هذا المورد من أشد موارده، وهو أخطر بكثير من الموارد المالية،لأنها من أعظم الدوافع له .
وأما حرية التعبير المزعومة في الرسوم الساخرة عن محمدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ادعاءٌ غير مسلَّمٍ ولا مقنعٍ ؛ لأن منظمات العالم تؤكد على احترام الرسل ، وعلى احترام الشرائع السماوية ، واحترام الآخرين وعدم الطعن فيهم بلا بيِّنة. و لذا فإنَّ الحرية المزعومة فيها انتهاكٌ لدين الإسلام، وسخريةٌ برسول الله وإخلالٌ بحقوق الآخرين.
وإننا معشر المسلمين نوجه دعوةً إلى هؤلاء المستهزئين برسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، وإلى غيرهم من غير المسلمين لأن يمتِّعوا أعينهم وفكرهم بالإطلاع على الحقائق من خُلُقِهِ وصفاته، وينظروا ما قاله عقلاء البشر ومثقفيهم، حتى من أهل الملل الأخرى ممن شهدوا له بمكارم الأخلاق والفضائل الجمَّة.
وأما ما تناقلته إذاعة “أوروبا 1” عن مدير تحرير المجلة قوله “ما جعلنا نتحرك هو ما جرى في تونس وليبيا حيث شاهدنا عودة ظهور الشريعة”.
فنقول لهم (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ )، وإن هذا العداء السافر العلني لدين الإسلام ولنبي الهدى صلى الله عليه وسلم وللمسلمين في أنحاء المعمورة لا يزيد الإسلام إلا عزًا ورفعة، وصدق الله القائل في محكم كتابه:( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
وليعلم المستهزئون وأمثالهم أنَّ الله عز وجل متكفلٌ بحفظ دينه وحامٍ لحمى رسالته، ولن تضير نبيه صلى الله عليه وسلم سخرية الساخرين واستهزاء المستهزئين، فقد كفاه الله ذلك كله، كما قال سبحانه: ﴿ إنا كفيناك المستهزئين ﴾
ونسأل الله أن يعيد المسلمين إلى دينهم الحق حكاما ومحكومين، وأن يصلح حال المسلمين في تونس وليبيا ومصر واليمن وكافة ديار الإسلام، ويحكموا شرع الله الذي لا يتحقق العدل الحق إلا به، والحمد لله رب العالمين.