يقول السائل: كيف يستقبل طالب العلم رمضان؟ وكيف الجمع فيه بين الطلب وتدبُّر القرآن؟
يقال: يستقبل طالب العلم رمضان كما استقبله سلف هذه الأُمَّة بالإقبال على القرآن تلاوةً، وأن يحاول أن يُكثِر ختم القرآن، كما كان سلفنا يفعلون ذلك.
قال الزهري: “إذا جاء رمضان فإنما هو قراءة للقرآن وإطعام للطعام”، وكان الشافعي رحمه الله تعالى يختم في رمضان سِتِّين ختمة، ختمة في الليل، وختمة في النهار، وآثارُ السلف كثيرة في ختم القرآن، في كُلِّ يوم ختمة، وقد ذَكَر طَرفًا من هذه الآثار النووي رحمه تعالى في كتابه “التبيان”، وكذلك في كتابه “الأذكار”، وابن رجب في كتابه “لطائف المعارف”، ذكر شيئًا من ذلك ابن كثير في أوائل تفسيره.
فكان السلف يُقبِلون على القرآن قراءةً، ويحاولون أن يختموا في كُلِّ يوم ختمة؛ لأنه في شهر رمضان يُغلَّب كثرة القراءة على التدبر والفهم، ومن لم يجِد من نفسه إقبالًا على ذلك فليحاول أن يجعل له شيئًا يقرأه، ويتدبّره، ويجتهد في ذلك.
المهم أن يجتهد في قراءة القرآن، وأن يغلِّب القراءة على التدبر؛ لكن لو ضعفت نفسه فاشتغاله بتدبُّرِ القرآن أولى من اشتغاله بالمباحات، بل واشتغاله بالعِلم أَولَى من اشتغاله بالمباحات، فإن بعض الناس لما رأى السلف يجتهدون في رمضان في قراءة القرآن، فقد يجتهد، فيقرأ في كُلِّ يوم خمسة أجزاء، عشرة أجزاء، ثم بعد ذلك يضيِّع وقته في المباحات.
والأَولَى أن يجتهد في قراءة القرآن زيادةً، لكن لو ضعفت نفسه فليرجع إلى طلب العلم، وإلى دراسته، وأن لا يضيِّع الوقت في المباحات فضلًا عن المحرَّمات.
وممّا يُعِين طالب العلم وغيره على الاجتهاد في رمضان أن يجعل له وِردًا يقرأه كُلِّ يومٍ، ويجاهد نفسه على ذلك، فإذا قَصَّر في يومٍ، عوَّضه في اليوم الذي بعده، بهذه يستطيع أن يختم ختمات، ويستطيع أن يأخذ على نفسه بالحزم في الجِدِّ والاجتهاد في تلاوة القرآن.
أما أن يترك نفسه على حسب الفراغ، فمثل هذا قد ينشط أوَّل الشهر، ثم يكسل بعد ذلك.
ومما أنبِّه عليه: أنه ليس معنى اشتغال السلف بقراءة القرآن في رمضان أنه لو رأى منكَرًا أن لا يُنكِره؛ لأن السلف يجتهدون في قراءة القرآن، بل يُنكِر هذا المنكَر، ولو ظهر وابتدع ببدعة أنكَر عليه، ولاحتاج إلى رَدٍّ يردُّ عليه، فإن الصحابة جاهَدُوا في شهر رمضان- رضي الله عنهم وأرضاهم-.
لكن الأصل هو الاجتهاد والإكثار من قراءة القرآن.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يُعِينَنا وإياكم على طاعته، وأن يجعلنا في رمضان وغيره مُقبِلين على طاعته وعلى قراءة القرآن وتدبره، أسأل الله أن يمنَّ عَلَيَّ وعليكم بفهمه، وحِفظه، وضَبطه، والعِلم به، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على الأذى فيه، وجزاكم الله خيرًا.