(( لا تُريهم انكسارك.. ))
بينما كنت أقوم بإنجاز عمل يدوي في منزلي، وقَفَت طفلتي ذات العامين محلقةً ببصرها نحوي، ثم قالت بصوتها الطفولي متكسرِ الأحرف: «بابا لماذا تبكي؟» – حينها لم أكن أبكي، ولكني بالفعل كنت مهموماً لأمرٍ ألمَّ بي-.
فلما قالت مقولتها تلك، لم أتمالك نفسي حتى هرولتُ نحوَها مسرعاً؛ فحملتها وضممتها إلى صدري، والعجب أنني حين احتضنتها، لم تصنع ما يصنعه الأطفال في العادة؛ من محاولتهم التخلص من القيود؛ وإن كانت يدَ الأب الحانية، بل إنها بادلتني الشعور؛ واحتضنتني طويلاً، وكأنها تقول: أشعرُ بما تشعر به.
مرت ليلةً كاملة، وأنا أتفكر في ذلك الموقف متعجباً، بل ولم تزل حلاوته تلامس لساني إلى وقت لاحق، وقد وقفت متسائلاً بعجب: هل يشعر الطفل الصغير بما لا يستدركه الكبار؟!
ربَّما جمال الموقف كان لإحساسي بأنَّ الطفل الصغير لا يختلق المشاعر، ولذلك كان شعورُه أجمل؛ وموقفه أعذب.
ولا أخفي أنَّ هذا الموقف جعلني أؤمن بما كنتُ ألقيه دائماً في دروسي وكلماتي، وهو أنَّ الواجب على الوالد أنْ لا يُري أبناءه الصغار – لا سيما البنات- انكسارَه، سواء كان بسب مشكلةٍ كبرى أو همٍّ عارض، لأنهم إنما يرونه كالبناء المتماسك الذي لا يتهاوى، والملجأ الذي يلجأون إليه من حرِّ الصيف وبرد الشتاء، فكيف إذا تزعزع البناء وانهارت جدرانه؟
أعترفُ أنَّ دموع بعض الأطفال تشعرك بالحزن حتى لو لم يكن لذلك البكاء سبب، فكيف إذا كنت تشعر بحرارةِ دموعهم وهي على خدودهم؟
وأقر بأنَّ لمعانَ بعض العيون ينبئك بما يسكن فيها من الهمِّ، حتى يستدعي ذلك خوفك عليهم؛ لولا يقينُك بأنَّ الأمور كلَّها بيدِ الله؛ وأنك لا تملك لهم ولا لنفسك ضرًّا ولا نفعاً، لكن في نهاية المطاف؛ ورغماً عنك؛ تغشاك موجة من الهمِّ؛ ترجو أن تزول سريعاً بسبب توكّلك على خالقك.
مواقفُ تمرُّ، وتجارب تتكرر، ربما كنت يوماً ما تتكلم عنها نظرياً، فإذا مرّت بك فانقلها إلى حيِّز التطبيق، واستفد منها في مستقبل أيامك وحاضرها.
فإذا لمستَ ذلك وتحسستَه؛ فانتبه حين يمرُّ بك شيءٌ من حوادث الحياة أن تتهاوى أمام أبنائك الصغار، لأنه مهما يمرُّ بهم من الشخصيات؛ تبقى أنت في نظرهم أفضلَ رجلٍ في العالم، فلا تريهم انكسارك.
د. سالم العجمي
25-6-2013