يقول السائل: لا تصح ولاية الحاكم الفاسق، فلماذا يُدافَع عنه؟
الجواب:
إنَّ ولاية الحاكم الفاسق فيها تفصيل وله أحوال:
الحال الأولى: أن يُولَّى ابتداءً، فإنه لا يجوز أن يُولَّى ابتداءً الحاكم الفاسق، ويُشترط في الحاكم حتى يُولَّى ويكون حاكمًا على المسلمين أن يكون عدلًا، كما قال تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 124] قال مجاهد وغيره: أي لا يتولَّى الناس من كان فاسقًا وظالمًا. وقد أجمع على هذا أهل السنة، حكى الإجماع القرطبي في تفسيره وحكاه غيره من أهل العلم، فالحاكم الفاسق لا يجوز أن يُولَّى ابتداءً ويشترط في الحاكم حتى يُولَّى ابتداءً أن يكون عدلًا.
الحال الثانية: إذا ثبتَ له الحكم فإنه يجب السمع والطاعة له في غير معصية الله ولو كان فاسقا، ولا يجوز لأحد أن يخرج عليه، ويكون حاله في الحكم كحال غيره من العدول، وقد دلَّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59] فهذا لفظٌ عام يشمل الحاكم الفاسق وغيره.
أما السنة النبوية فقد تكاثرت الأدلة في السمع والطاعة للحاكم الظالم، وإن ظلم وإن جار …إلخ، كما روى الإمام مسلم عن عوف بن مالك أنَّ النبي ﷺ قال: «ألا من وَلِيَ عليه والٍ فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعنَّ يدًا من طاعة»، وروى البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أنه قال: بايعنا رسول الله ﷺ على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرةٍ علينا، وألا نُنازع الأمر أهله ما لم تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان.
والاستثناء معيار العموم، يعني: إلا تروا كفرًا بواحًا، فإن رأيتم غير ذلك فلا يجوز الخروج عليه، مهما كان فاسقًا بما أنه مسلم فيجب السمع والطاعة له في غير معصية الله.
أما الإجماع فقد نصَّ النوويُّ في شرح مسلم على أنَّ الحاكم إذا كان فاسقًا وتولَّى الحكم فلا يجوز أن يُخرَج عليه، ثم كلام أئمة السنة في كتب الاعتقاد كالإمام أحمد وغيره كثيرٌ في مثل ذلك، وأنه يُسمع ويُطاع له ولا يجوز الخروج عليه، بل لو أنَّ طائفةً أرادت الخروج عليه لوَجَبَ على المسلمين الذين هم تحت حكم هذا الحاكم أن يُقاتلوا معه ضد هذه الطائفة، كما روى الإمام مسلم من حديث عرفجة الأشجعي أنَّ النبي ﷺ قال: «من أتاكم وأمركم جميع وأراد أن يُفرِّق أمركم فاقتلوه كائنًا من كان».
ومما يُقرره أهل العلم أنه ينبغي أن تُجمع القلوب على الحاكم، وأن تُؤلَّف القلوب عليه؛ لأنَّ في هذا مصلحةً عظيمة من اجتماع الكلمة وغير ذلك، والدين قائم على جلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، وقد نصَّ على هذا النوويُّ في شرح مسلم، وذكره كثيرًا شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى-.
لذا ولو كان الحاكم فاسقًا فيجب أن تُجمع القلوب عليه، وأن تُستر عيوبه، وأن تُنشر محاسنه لا لأجل الحاكم ومصلحة الحاكم فحسب بل للأمة وللمسلمين حتى لا تكون الفتن التي إذا اشتعل نارها أكلت الأخضر واليابس والصغير والكبير، وحصلت المفاسد العظيمة التي لا يعلمها إلا الله.
فينبغي لأهل السنة أن يكونوا شرعيين منقادين للكتاب والسنة، متبعين للسلف الصالح، وألا يكونوا عاطفيين منساقين وراء عواطفهم فإنَّ العواطف إذا خالفت الشرع أصبحت عواصف.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.