لا تغتر يا عبد الله بتراجع رؤوس أهل البدع


[لا تغتر يا عبد الله بتراجع رؤوس أهل البدع].!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين..

بين فترة وأخرى يظهر لنا عبر الصحف وبرامج التواصل أناس ممن لهم باع ضليع مع الجماعات الإرهابية وهو يتكلم عن داعش وأنها جماعة ضالة وأنهم كانوا سدا منيعا وحائلا بين الشباب وبين انخراطهم مع هذه الجماعات ، وهم الذين عكفوا سنوات عديدة وهم يمجدون مثل هذه الجماعات -وتظهر مثل هذه التصريحات حين تتحطم آمالهم- و

كلامنا على (المنظرين ،الرؤوس ، الدعاة) الذي قادوا الجموع وتصدروا وأفتوا وضللوا وفتنوا وزهقت بسببهم نفوس ، وخربت بهم الديار وحل البلاء وارتفع الأمن ..!

هولا هم مرادنا وهم هدفنا الأول ، وأما الجهال فأمرهم أسهل بكثير من هؤلاء وإن كانوا هم شر من حيث التنفيذ والتطبيق وأولئك شر من حيث التنظير والتفكير.!

١-التوبة بابها مفتوح ولا تحجر التوبة عن مسلم إذا صدقت نيته وصلحت بذلك سريرته {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}

٢-المسلم يفرح بتوبة أخيه المسلم ولو كان مبتدعا ، فإن الله يفرح بتوبة عبده كما ورد ذلك في الصحيحين ، وما يفرح الله يفرح كل مسلم.

٣-البدعة شرها عظيم وخطرها جسيم ، وصاحبها على خطر عظيم ، وتزداد الخطورة إذا كان داعية ومنظرا وقدوة فيما انتحله من البدعة.!

٤-البدعة لها بهرج وحلاوة وموافقة للأهواء ولذلك سمى السلف أصحاب البدع (أهل الأهواء) ولذلك قلَّ أن تجد صاحب بدعة -يدعو لها ويناظر- قد رجع عن بدعته.!

فلو أحصيت أهل البدع لبلغوا آلافاً مؤلفة ولو أحصيت من رجع لعدوا على الأصابع..

٥-لا تغتر يا أخي بما تسمعه من رجوع فلان وفلان.. تأنّ واصبر ولا تستعجل فقد تحمد العاقبة ، وقد يكون في التسرع ما لا تحمد عقباه.! حتى يكون عندك منه برهان ساطع.

٦-إحسان الظن هو الأصل ، وهو علامة على صحة القلب وسلامة النفس ،وطيب السريرة ، ولا يمكن أن تقوم الحياة إلا بإحسان الظن وإلا فسد المجتمع وتقطعت أواصر المحبة وتهدم بنيان الأخوة ، فما نراه الآن من بعض إخواننا ممن قد امتلأت قلوبهم من إساءة الظن بإخوانهم لشيء يحزن القلب ويفرح الأعداء ، فاتقوا الله في إخوانكم ، وطهروا قلوبكم فوالله ما رأينا خيرا من إساءتكم ظنكم بهم ، فلا نصرا حققتموه ولا عدوا كسرتموه ..

ولكن ينتبه في مسألة إحسان الظن لأمور:

فإحسان الظن حين يكون إحسان الظن في محله (لمن هو من أهله ويستحقه) ، وأما من وضع نفسه موضع التهم فلا ..قال الشيخ ابن عثيمين: لكن إذا علم عن شخص من الناس أنه محل الإساءة فهنا لا حرج أن تسيء الظن”(شرح الحلية)..

٧-فليس إحسان الظن في كل شيء ، فإن من الأشياء ما يكون إحسان الظن فيه ضعف وجبن وغباء ، وإن من الأشياء ما تكون فيه إساءة الظن حزما وعزما وخيرا ، وربما صد عن شر عظيم.! قال الحسن البصري: من الحزم إساءة الظن بالناس) قال الالباني رواه ابن سعد وسنده صحيح (السلسلة الضعيفة ٢٨٩/١)

والمعنى العمل بإساءة الظن اذا كانت التهمة قائمة.

قال عبد الرحمن بن مهدي: خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن : الحكم والحديث”(الجرح والتعديل (٣٥/٢)

قال ابن حزم: “وأما سوء الظن فيعده قوم عيباً على الإطلاق، وليس كذلك إلاَّ إذا أدَّى صاحبه إلى ما لا يحل في الديانة، أو إلى ما يقبح في المعاملة، وإلاَّ فهو حزم، والحزم فضيلة” (مداواة النفوس ص١٠٩)

“ولما قيل لأحمد بن حنبل يا أبا عبدالله فلان يروي الحديث ، ساكنٌ خاشعٌ ، من قصته ومن قصته!!

“فغضب أبو عبدالله ، وجعل يقول: لا يغرّك خشوعه ولِينه ، ويقول: لا تغتر بتنكيس رأسه ، فإنه رجل سوء ذاك لا يعرفه إلا من خبره ، لا تكلمه ، ولا كرامة له ، كل من حدّث بأحاديثِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان مبتدعاً تجلس إليه؟! لا ، ولا كرامة ولا نُعْمَى عين ، وجعل يقول: ذاك ، ذاك ” (طبقات الحنابلة (٢٣٤/٢)

٨-فهولاء الذي خالفوا الشرع ليسوا محل إحسان الظن

قال ابن مفلح :”وقال ابن هبيرة الوزير الحنبلي : “لا يحل والله أن يحسن الظن بمن ترفض ولا بمن يخالف الشرع في حال” (الآداب الشرعية (٦٠/١)

٩-إن أهل البدع إذا رأوا صدود الناس عنهم وأن أمرهم قد اُفتضح أظهروا الندم والرجوع مكرا وخديعة كما هي عادتهم..

كما فعل (غيلان الدمشقي) لما رأى أنه قد خاب وخسر وافتضح اعلن الرجوع عند (عمر بن عبد العزيز) فما هي الا فترة حتى عاد ورجع كما كان فآل به الأمر إلى أن قُتل بسيف العدل زنديقا خبيثا .

١٠-وكثير من هؤلاء ممن يُقال أنه قد رجع وتاب في الحقيقة لم يظهر منه أصلاً رجوع ؛ فإن الرجوع (الذي يتعلق بموقفنا منهم في هذه الحياة) أن يُعلن صراحة أنه كان على كذا وكذا وأنه تائب إلى الله وراجع عنه .

قال ابن رجب: ولقد ذكر لأبي عبد الله أحمد بن حنبل رجل من أهل العلم، كانت له زلة، وأنه تاب من زلته، فقال: لا يقبل الله ذلك منه حتى يظهر التوبة والرجوع عن مقالته، وليعلمن أنه قال مقالته كيت وكيت، وأنه تاب إلى الله تعالى من مقالته، ورجع عنه، فإذا ظهر ذلك منه حينئذ تقبل، ثم تلا أبو عبد الله ” إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا ” (ذيل طبقات الحنابلة (٣٠١/١).

١١-هولاء (منظرون ، دعاة ، قدوات) ، والغالب من هؤلاء وسنة الله فيهم ماضية أنهم لا يرجعون .! وإن رجعوا رجعوا إلى شر مما كانوا عليه.!

قال ابن وضاح حدثنا أسد قال: نا موسى بن إسماعيل , عن حماد بن زيد , عن أيوب قال: ” كان رجل يرى رأيا فرجع عنه , فأتيت محمدا فرحا بذلك أخبره , فقلت: أشعرت أن فلانا ترك رأيه الذي كان يرى؟ فقال: «انظروا إلى ما يتحول؛ إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله , يمرقون من الإسلام لا يعودون فيه”(البدع (١٠٨/٢)

وقد عمل أيوب بنصيحة شيخه (ابن سيرين) وطبقها واقعا عمليا حين اشتهر رجوع ( عمرو بن عبيد ) .!

ذكر اللالكائي: عن سلام بن أبي مطيع ، قال : قال رجل لأيوب:« يا أبا بكر إن عمرو بن عبيد – وهو رأس المعتزلة- قد رجع عن رأيه ».قال : «إنه لم يرجع» . قال : « بلى يا أبا بكر ، إنه قد رجع » . قال أيوب : « إنه لم يرجع » ، ثلاث مرات ، « أما إنه لم يرجع » ، أما سمعت إلى قوله صلى الله عليه وسلّم : « يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ثم لا يعودون فيه حتى يرجع السهم إلى فُوقِه » (شرح اصول اهل السنة (١٤١/٣)

وقريبا من ذلك ما جاء عن عبد الله بن القاسم وهو يقول: ” ما كان عبد على هوى فتركه إلا إلى ما هو شر منه. قال: فذكرت هذا الحديث لبعض أصحابنا , فقال: تصديقه في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية , ثم لا يرجعون حتى يرجع السهم إلى فوقه”

(البدع (١٠٧/٢)

والمسألة لا تحتاج تعقيد أو زيادة تفكير في صحة توبة فلان وعلان ، لأنه إن كان صادقا بحق ونادما حقيقة فما الذي يمنعه من أن يبين ذلك صراحة ، ويوضحه وينادي به كما كان ينادي بالبدعة ؟!

وما الذي يجعله لا يترك أصحابه المنحرفين ويبين ضلالهم وخاصة أنه بهم اعرف -كما فعل أبو الحسن الأشعري- حين تاب من الاعتزال فضحهم وبين أمرهم وأعلن ذلك على المنبر وألف الكتب ورد عليهم .!

وما الذي يجعله لا يجالس أهل الحق ويخالطهم كما كان يجالس أهل البدع ويخالطهم.!

١٢-فمثل هذا وغيره لو أظهر وأعلن أنه تائب راجع فلا تتعجل بصحة توبته وسلامته مما تاب منه ورجع عنه حتى يصدق فعله قوله كما كان منه ذلك لما كان منحرف الطريق ضال المنهج رأينا كيف كان فعله مصدقا لقوله ليلا ونهارا ..

طبعا هذا في تعاملنا معهم في هذه الدنيا (وأما عند الله فهذا بينه وبين ربه)

ذكر ابن مفلح في رواية المروذي عن أحمد: “إذا تاب المبتدع يؤجل سنة حتى تصح توبته”( الآداب الشرعية (١٠٩/١).

١٣- وأيضا لابد من الحذر منه ، والخوف من أن يكون مخادعا ، أو أن يكون صادقا ولكنه إلى الآن لم يرسخ في السنة كما قد رسخ قبل ذلك في البدعة ، فربما تجرفه فتنه فيعود كما كان فيجرف معه خلقا كثيرا كما هو مشاهد في هذا الزمان (نسأل الله السلامة والعافية).!

فحتى لو أظهر التوبة والرجوع لابد من الحذر حتى يتبين صحة توبته وسلامة سريرته كما ذكر الإمام أحمد أن عمر لما نفى صبيغا وقد تاب صبيغ وندم ورجع وكان الناس يكلمون عمر في صبيغ لما رأوا من توبته فلا يقبل منهم عمر حتى مضت سنة كما ذكر ابن مفلح عن الإمام أحمد: “أن القوم نازلوه-أي عمر- في صبيغ بعد سنة فقال جالسوه وكونوا منه على حذر”(المرجع السابق)

تدبر قوله(وكونوا منه على حذر) هذا مع اظهار توبته وندمه ولم يكن اصلا عند صبيغ مثل ما عند هؤلاء ولا عشره .!

١٤-وأيضا لابد من اعتبار القرائن في أحواله والتنبه لأموره ومنها أن يُنظر هل هجر من كان يجالسهم..

ذكر ابن مفلح في الآداب الشرعية : وقال القاضي أبو الحسين بعد أن ذكر هذه الرواية وغيرها فظاهر هذه الألفاظ قبول توبته منها بعد الاعتراف والمجانبة لمن كان يقارنه ومضي سنة”.(المرجع السابق)

١٥-وأيضا لابد من النظر في الواقع والوقت الذي حصل فيه مثل وجوع هؤلاء..

فقد يكون الواقع قرينة على مكرهم وخداعهم كأن يحصل لهم ولحزبهم هزيمة ، أو يحصل أن توجهت الدولة لمحاسبتهم ، أو كثر كلام الناس عليهم ، او تكون آمالهم معلقة بقيام الخلافة فتحطمت أحلامهم ، وتكسرت أقلامهم ، فيظهرون حين ذلك الرجوع حتى يرتبوا صفوفهم من جديد ويختلطوا بعد ذلك مع الناس ويندسوا في صفوفهم لتبدا مرحلة جديدة .!

(وإني أقول ذلك نصيحة لنفسي ولإخواني ، وخوفي عليهم من كل شر ، ومحبتي الخير لهم ، فإنه يكفي ما قد حصل من خداع لشبابنا ، واستغفال لعقولنا ، وضحكا على الذقون ، ويكفي نارا وحرقة قد اكتوت بها قلوب الأمهات والآباء على أولادهم من هؤلاء )

أخوكم حسن صنيدح


شارك المحتوى:
0