لا خير في الجهاد ولا النّصر، ولا استشهاد إلاّ لتكون كلمة الله هي العليا
بسم الله الرحمن الرحيم
روى البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحيهما أنّ النّبي صلى الله عليه وسلّم قال: “من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله” وكان الرّجل يسأله: (الرّجل يقاتل للمغنم أو الذّكر أو ليُرى مكانه) وفي رواية: (الرّجل يقاتل شجاعة أو حميّة أو غضباً) وجواب النّبي صلى الله عليه وسلّم واحد: “لتكون كلمة الله هي العليا”.
تذكّرت هذا الحديث المتّفق على صحّته قبل ساعة حينما شاهدت مقابلة مع د. زياد العبّادي وفقه الله في قناة الأثر بعنوان: أسباب النّصر في حطّين.
والحقيقة أن مقدّمي البرامج في الفضائيّات والمجلاّت والجرايد والإذاعة والتّلفزيون يسيئون إلى من يقابلونهم من طلاّب العلم والعلماء وإلى الحقيقة الشّرعيّة بصياغة عنوان المقابلة وأسئلتها صياغة جاهلة تقيِّد وتوجِّه وتُرْدي المقابَل.
ولقد سمعت مراراً المذيع (الاسلامي)الجاهل يضع الجواب الذي يريده في فَمِ أكبر علماء اليوم، والله المستعان وإليه المشتكى.
ولكن د. زياد العبّادي فيما سمعت منه تكلّم بحقّ عن ذكاء صلاح الدّين رحمه الله وشدّة بأسه وسعة أفقه وحسن معاملته لأعدائه.
أمّا القتال لتكون كلمة الله هي العليا فلا أعرف دولة من دول المسلمين ادّعَتْه أو حقّقتْه بعد القرون الخيِّرة غير الدّولة السّعوديّة فيما ملكَتْه من جزيرة العرب فهدمت أوثان المقامات والمزارات والأضرحة من العراق إلى عُمَان ومن الخليج إلى البحر الأحمر ثلاث مرّات في القرون الثّلاثة الأخيرة وجميع البدع.
وصلاح الدّين رحمه الله لا يُعْرَف عنه: إنكار أكبر الكبائر والموبقات (وثنيّة دعاء المقبورين وتقديس القبور أوّل وأعظم ما نهى الله ورسله عنه)، ولا عُرِف عنه رحمه الله: الأمر بإفراد الله بالدّعاء وغيره من العبادات أوّل وأعظم ما أمر الله ورسله به؛ فكان الوثن المنسوب للحسين بن علي رضي الله عنه تحت سمعه وبصره وحُكْمِه منذ أن سمّاه العاضد الفاطمي قائد الجيش والملك النّاصر حتّى ورث الفاطميّين وحَكَم عشرات السّنين حتى موته ولم يغيّر هذا المنكر.
وفي فلسطين يدّعي المزوِّرون أنّ وثن الرّاعي فوق بيت المقدس من بناء صلاح الدّين، ويذكر السّيوطي في تاريخ الخلفاء أنّ صلاح الدّين تجاوز الله عنه هو الذي بنى الوثن المنسوب للشّافعي (ص385)، ولو زُرْتَ موقع هذين الوثنين في القاهرة لرأيت عمائم الأزهريّين تطوف عليهما، ويقول المنفلوطي في نظراته بأنّ شيوخ الأزهر يتقاتلون على كناسة الأخير منها.
ولا تزال عقيدة الأزهر أشعريّة كما تركها صلاح الدّين الأشعريّ تجاوز الله عنه.
وواجب العالم أو طالب العلم السّلفي أن يُوَجِّه الاعلامي الجاهل لا أن يَتَوَجَّه به، وقد ابتلي الإسلام والمسلمون منذ القرن الماضي بمنهج الحزب الاخواني المبتدع الضّالّ فأزلّ كثيراً من مؤسّسات الإعلام والدّعوة والدّعاة عن منهاج النّبوّة وهو توقيفيّ أرسل الله به كلّ رسله من نوح إلى محمّد ومَنْ بيْنَهما صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين برسالاته كلّها لأمر عظيم خلق الله له عباده: {وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلاّ هو سبحانه عمّا يشركون}، {وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون}، {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نوحي إليه أنّه لا إله إلاّ أنا فاعبدون}، فحذفه الحزب من كلّ تعاليمه العمليّة: واجبات بيعته (38) وأركانها (10) ومطالبه من الولاة (50) وموبقاته (10) ووصاياه (10) ومنجياته (10) ومهلكاته (10) وواجباته العامّة (10) مع أنّه لم ينس الوصيّة بتخفيف شرب الشّاي والقهوة والمشروبات المنبّهة، ولم ينس الوصيّة بتوحيد الزّيّ وتنظيم المصايف (أنظر مجموع رسائل حسن البنّا، ومذكّرات الدّعوة والدّاعية له).
وهذا الحزب الضّالّ هو الذي أضلّ الشباب عن القدوة الصّالحة في سلف الأمّة إلى القدوة الجهاديّة معزولة عن الأمر بأعظم معروف والنّهي عن أعظم منكر وممزوجة بالتّصوّف والانحراف الاعتزالي والأشعري في الاعتقاد وخيرهم: صلاح الدّين والعزّ بن عبد السّلام وقبلهما المعتصم وبعدهم: عزّ الدّين القسّام تجاوز الله عنّا وعنهم جميعاً.
وكانوا يزعجونني ومن يهتمّ لهذا الأمر مثلي – بفضل الله عليّ – بالدّعاء في خطبة الجمعة والقنوت ويشترطون على الله أن يحقّق فتح بيت المقدس: (اللهمّ فتحاً كفتح صلاح الدّين)، وكنت أتساءل لماذا لا يكون فتحاً كفتح عمر رضي الله عنه، بل لماذا لا يكون فتحاً كفتح النّبيّ صلى الله عليه وسلّم مكّة المباركة، أو كفَتْح آل سعود مكّة والمدينة مرّتين وغيرهما من الجزيرة ثلاث مرّات وهَدْم الأوثان وزوايا التّصوّف.
كتبه/ سعد بن عبد الرّحمن الحصيّن – مكّة المباركة – السّابع من ذي القعدة عام 1434