لو تتبعت أخطاء بعض الدعاة من السعودية الذين يحملون العقيدة الصحيحة فقط، فعندهم هفوات في المنهج، ونجد أن زلات القلب كثير ما بينها، لو قورن بينها وبين أخطاء المتقدمين، بل تجد المتقدمين وقعوا في أخطاء عقدية، ومع ذلك نعتذر لهم، وأحيانًا نتغاضى عنهم، ثم تطبقون القاعدة الوسطية السابقة فيهم، ينبه على أخطائهم، ويستفاد من علمهم، وأن القاعدة لا تتماشى مع المعاصرين؟
يقال جوابًا على هذا السؤال: إن دين الله واحد، على المعاصر، وعلى السابق، وعلى السعودي وغير السعودي، فإن دين الله نزل حكمًا عامًّا للبشرية، قال سبحانه: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153]
فهذا أمر لجميع الناس أن يتبعوا سبيل الهدى، سواء أكانوا سعوديين أو غير سعوديين، معاصرين أو سابقين، فيجب أن نَزِنَ الناس بشرع الله، كما قال سبحانه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]
ويجب أن نفهم كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم بفهم سلفنا الصالح، كما قال سبحانه:﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115]
إذا تبين ذلك؛ فإن الأدلة جاءت بهجر أهل البدع، وهجر من كان مبتدعًا، وإذا كان داعيًا إلى البدعة فهجره أولى وأولى.
ويدل لذلك ما أخرجه الشيخان من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم الذين يتابعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سماهم الله، فاحذروهم».
فهذا أصل في هجر أهل البدع، كما بيَّن ذلك الشاطبي –رحمه الله تعالى- في كتابه “الاعتصام”.
إذا تبين هذا؛ فإن هذا الأصل كغيره من أصول الشريعة راجعٌ إلى قاعدة عظيمة، وهي قاعدة: أن الشريعة مبنية على جلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها.
فمن كان من العلماء الماضين، عنده بِدَعٌ، يستحق بها التبديع، لكن عنده علم نحتاج إليه، والضرر العقدي من مراجعة كتبه على أهل السنة منتفٍ أو شبه منتفٍ، فمثل هؤلاء لا يحذَّر منهم، بل يستفاد من كتبهم مع بيان ما فيها من الخطأ، لأن الضرر منها منتفٍ أو شبه منتفٍ.
والدِّين قائم على جلب المصالح وتكميلها.
ومن ذلك: الاستفادة مما في هذه الكتب من العلم النافع كشرح الأحاديث النبوية، أو تفسير القرآن، أو بيان أقوال أهل العلم في الفقه إلى غير ذلك.
فمثل هذا إذا كانت المصلحة راجحة بأن يستفاد من كتبهم، وفي المقابل: الضرر منتفٍ أو شبه منتفٍ، فلابد أن تقدم المصلحة الراجحة، لما تقدم ذكره من القاعدة الشرعية، وهو أنَّ الدين قائم على جلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها.
لكن لو تبين أن من كتب الماضين ما إذا طالعه أهل السنة فُتِنُوا في دينهم، إما بفكر الخروج، أو بتأويل الأسماء، أو بتأويل الصفات، أو غير ذلك، فإن مثل هذا يمنع أهل السنة من مطالعته، لأن مفسدته أكبر من مصلحته.
ومثل هذا يقال في المعاصرين، فإن المبتدعة من المعاصرين سواء كانوا سعوديين أو غير سعوديين، يفتتن بهم أكثر من الماضين، لاسيما إذا كان هؤلاء المبتدعة مجتهدين في نشر بدعهم، بأن كانوا ثوريين ودعا ة ثورة، ودعاة تسهيل مع المخالفين، وعدم هجرهم حتى لو كانوا دعاة شرك، كما يفعل بعض دعاة الحركيين مع الحبيب الجفري الذي يقول: ممكن أن يخلق وليٌّ ولدًا بلا أب، أو ولدًا بلا أم ولا أب، تراهم لا يوافقونه على أخطائه، لكنهم يسهِّلون من عدائه وعداء أمثاله.
فالمقصود إذا وجد من هؤلاء المعاصرين من يدعو إلى هذه البدع، وهو حي بيننا، ويتأثر الناس به أكثر ما يتأثرون بالماضيين، وفي المقابل لا توجد مصلحة يحتاج إليها عنده، ليس عند غيره، فإذن المفسدة التي يدعو إليها أكبر بكثير من المصلحة التي قد يظن أنها عنده.
فإذا كان كذلك، فالمعاصرون أو الماضون إذا كان حالهم كذلك فيجب هجرهم، ويجب تحذير الناس منهم، وهذا ما لا يفهمه الحدادية الغلاة؛ لأنهم لا يراعون المصالح والمفاسد في دين الله، وفي المقابل لا يفهمه دعاة الحزبية أو المتأثرون بهم؛ لأنهم أصحاب هوى، يريدون نصرة أصحابهم بأي طريق كان، أما أهل السنة الذين بصَّرهم الله بالكتاب والسنة، فيعرفون أن الدين قائم على جلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها، فإنهم يزنون هذه الأمور بميزان الشرع.
فإذن فأؤكد على أن المعاصر ولاسيما الداعي لبدعته يؤثر على الناس تأثيرًا كثيرًا، وفي المقابل لا ترى مصلحة دينية، يصح أن توازى بما يدعو إليه أهل الباطل، فمثل هذا يجب أن يهجر، وأن يبيَّن ضلاله.
أما ضلال المناهج البدعية كالإخوان المسلمين والتبليغ …إلى آخره، والدعوة إلى فكر الثورة والخروج …إلى آخره، فهذا يجب بيانه.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أ ن يحيينا جميعًا على التوحيد والسنة، وأن يميتنا على ذلك، وجزاكم الله خيرًا.