يقول السائل: ما أدعية جلب الرزق والأموال الثابتة من الكتاب والسنة؟
الجواب:
أما في كتاب الله فلا أعلم دعاءً خاصًا في جلب الرزق، وإنما هناك أدعية عامة، كقوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201] وغير ذلك.
أما السنة: فلا أعلم فيها حديثًا صحيحًا إلا حديثًا واحدًا، وهو ما روى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر من أدعية النوم أن يُقال: «اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى ومُنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر».
هذا الحديث الذي رأيته ثابتًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد صحح بعض المعاصرين حديثين لكنهما ضعيفان فيما يظهر لي -والله أعلم-:
الحديث الأول: ما روى الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن سيار بن الحكم عن أبي وائل، عن علي -رضي الله عنه- أن رجلًا أتى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وفيه قال: ألا أُعلمك كلمات علمنيهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو كان عليك مثل جبل صير دنانير لأداه الله عنك، قلت: بلى، قال: قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك.
وجبل صير: جبلٌ في بلاد طي.
وهذا الحديث لا يصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد ظنه بعض المعاصرين عبد الرحمن بن إسحاق القرشي بناءً على بعض الروايات التي صُرِّح فيها بالقرشي، لكنه الصواب أبو شيبة الواسطي الأنصاري، وهو راوٍ ضعيف، ففي هذا يكون الحديث ضعيفًا، لأن عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي هو الذي يروي في الإسناد عن سيار بن الحكم، فبهذا يُعلم أن من زعمه القرشي بناءً على بعض ما ذكر بعض الرواة فإن فيه نظرا، بل الصواب أنه الأنصاري الواسطي كما تقدم بيانه.
والحديث الثاني: وهو ما رواه الطبراني في (المعجم الصغير) من طريق أبي زرعة وهب الله بن راشد، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري، عن أنس، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ بن جبل: «ألا أُعلمك دعاءً تدعو به لو كان عندك مثل جبل دينًا لأدَّى الله عنك، قل يا معاذ: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتُذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير، رحمن الدنيا والآخرة، تعطيهما من تشاء وتمنعهما من تشاء، ارحمني رحمةً تغنيني بها عن رحمة من سواك».
هذا الحديث لا يصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأن أبا زرعة وهب الله بن راشد تفرَّد عن يونس بن يزيد، ومثله فيه ضعف، ويُخطئ كما قال ابن حبان، فتفرده عن مثل يونس بن يزيد في روايته عن الزهري لا تصح، والتفرُّد علةٌ معروفة كان يُعلل بها العلماء الأولون.
لذا لم أر حديثًا صحيحًا إلا ما تقدم ذكره من حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم، وما عدا ذلك فالأحاديث ضعيفة، وهناك أسباب كثيرة لجلب الرزق من الاستغفار كما قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً﴾ [نوح: 10-12] وأيضًا من الأسباب تقوى الله، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2-3].
ومن الأسباب: الدعاء، فإن الدعاء تُجلب به الخيرات، كدعاء: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201] فقد روى البخاري عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أكثر ما يدعو بهذا الدعاء، قال أنس: فما دعوت دعاءً إلا ودعوت به.
إلى غير ذلك من الأسباب، وقد تقدم في أحد الأجوبة السابقة بسط أسباب جلب الرزق، أسأل الله أن يرزقنا حلاله عن حرامه، وأن يُعيذنا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وجزاكم الله خيرًا.