يقول السائل: ما الدليل على قاعدة: من أخطأ علانية رُدَّ عليه علانية؟ وهل يسوغ الرد على المخطئ قبل نصحه؟
أما هذه القاعدة فيدل عليها عموم الأدلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر، كقوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]، وحديث أبي سعيد: «من رأى منكم منكَرًا فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه .. » أخرجه مسلم.
وقد قرر هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في “مجموع الفتاوى“، وقرَّرها شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى، كما في “الفتاوى“.
والعمدة هي عموم الأدلة، وقد طبَّق السلف ذلك عَمَليًا، وهو مناسبة حديث: «من رأى منكم منكرًا»، فإنه لما فعل الحاكم منكرًا، قام رجل، وأنكر عليه علانية أمام الناس، فقال أبو سعيد الخدري:«أما هذا فقد قضى الذي عليه»، فدل هذا على أن من أخطأ علانية يُنكَر عليه علانية.
وللفائدة لا مانع من الإنكار علانية على الحاكم أمام الناس، وقد فعل هذا السلف، وإنما الممنوع شرعًا هو الذي ينكر عليه خلفه وورائه، والجائز شرعًا أن يُنكَر أمامه، سواء أكان أمام الناس أو وحده، ويراعى في ذلك المصالح والمفاسد، والغالب أن الأنفع أن يُنكَر عليه سِرًّا وحده، لكن لو أنكر عليه أحد علانية، ورأي المصلحة في ذلك، وكانت المصلحة كذلك فإنه لا يُنكَر عليه كما فعل ذلك صاحب أبي سعيد الخدري، وأقرّه أبو سعيد الخدري-رضي الله عنه- .
أما قوله: هل يسوغ الرد على المخطئ قبل نصحه؟
يقال: إن القول بأنه لا يُرَدُّ على أحد إلا بعد نصحه يحتاج إلى دليل، صحيح إذا غلب على الظن أن يستجيب المردود عليه فإنه يُناصَح، لعلّه يرجع، ويبيَّن خطأه للناس، وهذا أدعى للقبول، أدعى لقبول الناس بأن هذا الأمر الذي فعله المخطئ نفسه كان خطأ.
لكن لنفرض أنه لم يتيسَّر مناصحته، أو نصح ولم يستجب، أو غلب على الظن أن لا يستجيب، فمثل هذا يُنكَر عليه، ويُرَدُّ عليه، ولا دليل على أنه لابد أن يُناصح؛ والسلف قد فعلوا هذا، وردُّوا على خَلقٍ كثيرٍ، بل ردّوا على أناس قد ماتوا، ولم يقولوا: لا يصح الرد إلا بعد النصح، ومن قال كذلك: فيلزمه الدليل؛ والأدلة وفعل السلف على خلاف هذا.