يقول السائل: ما الذي يستحب فعله عند احتضار الميت وبعد موته؟
يُقَالُ جوابًا عن هذا السؤال: أن هذا السؤال مُهِمٌّ، ويُحتَاج إليه، وهو مما ينبغي أن يُتفَقَّه وأن يُتعلَّم، فينبغي لنا أن نتعلَّم أمور ديننا في شؤوننا كُلِّها، فكُلُّ ما حكمت الشريعة فيه شيئًا، سواء أكان واجبًا أو كان مستحبًا، فيستحب لنا أن نتعلّمه حتى نعمله؛ لئن أمثال هذه الأمور يروج فيها ما يفعله العامة، بل ترى العامة أحيانًا يؤثِّرون على طلاب العلم، فيكون ما درج عليه العامة قد تسرَّب إلى بعض طُلَّاب العلم، فصاروا يعملونه بمقتضى تأثُّرهم بالعامة، لا بمقتضى ما تعلَّموه من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
والمفترض على طُلَّاب العلم عند احتضار الميت، أو بعد موته، أو عند تشييع الجنازة، أو عند دفن الميت أن يبيِّن ما شاع عند العامَّة من الأخطاء في أمثال هذه الحالات، فإذا رآهم يفعلون أو يقولون أمرًا يخالف للشرع؛ فإنه يبيِّنه، وينبغي له أن يبيِّن لهم شرع الله بفعله وبقوله، لتنتشر السُّنَّة، وتموت البدع والعادات المخالِفَة لسُنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعند الاحتضار يُستَحب ما يلي:
– الأمر الأول: تلقين الميت؛ لما ثبت في صحيح مسلم عند أبي سعيد وأبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله».
والأصح – والله أعلم- أنه ليس هناك صفة خاصة للتلقين، إما أن الرجل نفسه يتكلَّم بلا إله إلا الله، فيسمعها الميِّت، فيتذكرها، أو أنه يقول: يا فلان قل: لا إله إلا الله، فإن الحنابلة لما ذكروا التلقين وكذلك الشافعية لم أراهم نصوا على صفة معيَّنة، لذا الأظهر – والله أعلم- أنهم يقولون عنده: لا إله إلا الله، أو يقولوا: قل لا إله إلا الله، فإذا قالها فقد لقَّنُوه.
ومما يدل على ذلك ما أخرج أحمد من حديث أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يا خال قل: لا إله إلا الله» وصححه العلامة الألباني رحمه الله تعالى.
والأصح – والله أعلم- التلقين يكون مرَّة واحدة، بحيث إنه إذا سمع ذلك قالها.
والأصح أيضًا أنه إذا قال: لا إله إلا الله ثم رَجَع وتَكَلَّم، أنه يُرجَع إلى تلقينه حتى يكون آخر كلامه من الدنيا قوله: لا إله إلا الله.
– الأمر الثاني: يُستحبُّ أن يُقرأَ عند المحتضر سورة “يس”، وهذا وإن لم يصح فيه حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكن ثبت عند أحمد عن غطيف بن الحارث -رضي الله عنه-، وهو صحابي، أنه أوصى بذلك، وكان عنده مشيخة مِن أهل العلم، وأقروه على ذلك، وإلى هذا ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
والعلماء الذين قالوا بتلقين الميت قالوا: إنه يلقَّن عند الاحتضار، كما يدل عليه فعل هذا الصحابي -رضي الله عنه-.
– الأمر الثالث: يستحب أن يوجَّه المحتضر إلى القِبلة، وعلى هذا إجماع أهل العلم، كما حكاه ابن المنذر رحمه الله تعالى، وقد جاء عن سعيد بن المسيب ما يخالف ذلك، لكن لعل الإجماع انعقد بعده.
أما إذا مات الميت فيستحب تغميض عينيه؛ لِمَا ثبت في حديث أم سلمة: «أن أبا سلمة لما مات شقّ بصره، أغمض النبي -صلى الله عليه وسلم- عينه». وقد حكى النووي رحمه الله تعالى الإجماع على هذا.
وأيضًا يُستَحب بعد تغميض عين الميت أن يقال: «بسم الله، وعلى مِلَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»، كما يدل لذلك: أنه فعل بكر بن عبد الله المزني، وهو تابعي، ثبت هذا عنه عند ابن أبي شيبة، وبهذا قال الحنفية والمالكية والحنابلة.
– الأمر الرابع الذي يستحب عند الميت: أن يستقبل القِبلة، وعلى هذا المذاهب الأربعة، ويدل لذلك – والله أعلم- أنه لما استحب عند الاحتضار، فلابد أنه استحب لمعنى، وهذا المعنى ينسحب حتى بعد الموت.
– الأمر الخامس: يستحب أن يُشدَّ لحيي الميت، بحيث أن يُغلَق فمه، وعلى هذا المذاهب الأربعة، وعلَّلوا ذلك بأن يحفظ فمه من دخول الهوام أو الماء، وأيضًا لئلا يقبح منظره.
– الأمر السادس: مما يستحب أيضًا أن يُسجَى بثوب – أي: أن يغطى الميت بقماش أو بغير ذلك-؛ لما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: «لما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- سُجَّى بثوب حِبرَة -صلى الله عليه وسلم-».
– الأمر السابع: يستحب عند الميت أن تُلَيَّن مفاصله، وعلى هذا المذاهب الأربعة، وعللوا أنه أسهل لتنظيفه. وتنظيف الميت مستحب، فما أدى إليه فهو مستحب.
هذه أشهر الأمور التي تستحب عند الميت، وهو الذي أذكره الآن مما دل عليه إما حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أثر عن صحابي أو تابعي.
فينبغي لنا إذا تعلَّمنا مثل هذا أن نعمل به، وكما قدَّمت ينبغي أن يغلب العِلمُ على عاداتنا، وما اشتهر عند العامة.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يُحسِن خاتمتنا، وأن يُحْيِيَنا على التوحيد والسنة، وأن يُمِيْتَنا على ذلك، وأسأل الله أن يعلِّمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وجزاكم الله خيرًا.