يقول السائل: بعض من يدافع عن البدع يستدلُّ ببعض الأشياء التي فعلها الصحابة ولم تأت بها السنة، ومن ذلك ما ذكر بعضهم في وضع القبة على جنازة المرأة، فيقول: في مثل هذا إنَّ الرسول ﷺ لم يأمر به، ولكن هذا من فعل فاطمة -رضي الله عنها-، سؤالي: كيف يتم الرد على مثل هذا؟
الجواب:
إنَّ الجواب على هذا السؤال من جهتين، الجهة الأولى تأصيلية والثانية تطبيقية.
أما الجهة الأولى التأصيلية: فهو أنه ينبغي أن يُعلم أنَّ مذهب الصحابي حُجَّة، وقد قرر هذا أئمة المذاهب الأربعة، فهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد، وهو قول الشافعي في القديم والحديث كما بيَّنهُ البيهقي والعلائي وابن القيم في كتابه (أعلام الموقعين)، وأشار لهذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- ستةً وأربعين دليلًا على حُجِّية مذهب الصحابي.
فإذن مذهب الصحابي حُجَّة، وذلك أنه إذا قال قولًا ولم يُخالَف فهو صورةٌ من صور الإجماع، والكلام على هذا يطول، فلذا كل عبادة دلَّ على شرعيتها حُجَّة معتبرة من كتاب أو سنة أو إجماع أو قول صاحب …إلخ، فهي صحيحة، ولا يصح أن تُقاس على عبادة لم يدل عليها حجة شرعية معتبرة.
فإذا تبيَّن هذا فإنَّ الإيراد الذي يذكره السائل على المخالفين إيرادٌ باطلٌ من حيثُ أصلهُ؛ وذلك أنَّ الفعل الذي فعله الصحابة ولم يُخالفوا حُجَّةٌ في الدين.
الجهة الثانية التطبيقية: وهو الكلام على هذه المسألة بعينها، وهو وضع قبةٍ على نعش المرأة بعد موتها، وهذا قد قرره علماء المذاهب الأربعة، وأصحُّ ما رأيتُ فيه ما ثبتَ عند ابن سعد في طبقاته، ذكر ابن عمر أنه لما ماتت زينب بنت جحش -رضي الله عنها- أمر عمر مناديًا ألا يخرج معها إلا ذو محرم، فقالت أسماء بنت عميس: يا أمير المؤمنين، ألا أُريك شيئًا رأيت الحبشة تصنعه لنسائهم؟ فجعلت نعشًا وغشتهُ ثوبًا، فقال: ما أحسن هذا وأسترهُ …إلخ.
ورُوي أيضًا عن فاطمة -رضي الله عنها- كما عند البيهقي، فالمقصود أنَّ هذا ثابتٌ عن عمر -رضي الله عنه- وأنه أقرَّهُ، وهو صحابي بل هو من الخلفاء الراشدين، وقد ثبت عند الخمسة إلا النسائي من حديث العرباض بن سارية أنَّ النبي ﷺ قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ»، وثبت عند مسلم من حديث أبي قتادة أنَّ النبي ﷺ قال: «إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا».
فالمقصود أنَّ هذا الفعل مستحبٌّ بفعل الخليفة الراشد عمر -رضي الله عنه- وعدم مخالفة الصحابة له.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بمنا علمنا، وجزاكم الله خيرًا.