يقول السائل: قد ذكرت في عدَّة أجوبة أن المبتدع يُهجر، سواء كان فردًا أو جماعة، ومن جالسه أيضًا يُحذِّر منه، ونرى بعض المشايخ الفضلاء يُثنون على بعض الجمعيات التي بدَّعها علماء أهل السنة خاصة في بلاد الكفار حيث المعركة بين دعاة الشرك والكفر وبين هذه الجمعيات، فما هو الموقف الصحيح من هذه الجمعيات ومن ثمَّ من هؤلاء المشايخ وإشادتهم بهذه الجمعيات؟
الجواب:
إن الجواب على هذا السؤال يكون على شِقَّين وأساسين:
أما الأساس الأول: فهو من كان من أهل الفضل ومن أهل السنة ومعروفًا بالسنة والتبس عليه حال بعض الأفراد أو الجمعيات فأثنى عليها، فلا يُبدَّع ولا يُلحق بها؛ لأن الرجل صاحب سنة ومعروف بالسنة، وثناؤه على هذه الجمعيات قطعًا يكون لعدم ثبوت ضلالهم وبدعتهم، لذا لما قيل لأحمد: إن فلانًا يُجالس فلانًا من أهل البدع، أنُلحقه به؟ قال: أو أعلمتموه؟ قالوا: نعم، قال: ألحقوه بهم.
وجه الدلالة من كلام الإمام أحمد: أنه لم يجعل مجرد المجالسة تبديعًا إلا بعد أن يُعلَّم هذا الرجل بأنهم أهل بدعة، فإذن أهل العلم والفضل وأهل الخير وأصحاب السنة وهم المعروفون بغيرتهم على السنة إذا أثنوا على بعض الجمعيات والأفراد فقطعًا هو لالتباس الأمر عليهم، وقد يوجد من يعلمهم، لكنهم لم يُثقوا به، فلا يزال الأمر ملتبسًا عندهم.
ففرقٌ بين هؤلاء العلماء وبين رجل معروف بمجالسة أهل الأهواء والحزبيين والثناء عليهم وأصبح كثيرًا في سيرته وهديه، وهو متساهل معهم وبعيد عن أهل السنة والسلفيين، فإن مثل هذا الرجل إذا أثنى على أولئك القوم فهو لضعفه المعروف، فمثله الأصل أن يُلحق بهم حتى ولو كان صاحب علم، وقد يُترك نشر تبديعه وإشاعته والصدع به لمراعاة مصلحة، فإن الدين قائم على جلب المصالح وتكميلها، لكن من حيث الأصل الأمر كذلك.
لكن أؤكد أنه لابد أن نعرف حال هذا الفاضل من أهل السنة، إن كان معروفًا بالسنة ومصاحبة أهل السنة وبمعاداة أهل البدعة، والتبس عليه الأفراد، فمثل هذا يُعلَّم ويُخبَّر حتى يقتنع بسوئهم، وقطعًا مثل هذا إذا اقتنع بسوئهم لم يتردد لأن له مواقف كثيرة في نصرة السنة وعداء الجمعيات الأخرى والأفراد من أهل البدع وتضليلهم …إلخ، بخلاف من تقدم ذكره ممن هديه وسيرته على خلاف ذلك.
وأنا أنصح إخواني أن يلتفوا حول علماء أهل السنة وأن يُبيِّنوا لهم الخير والهدى، فإنه قد يلتبس عليهم، لاسيما مع وجود الفتنة في صفوف السلفيين أنفسهم، بأن غلا طائفة وجفا طائفة، فمثل هذا يجعل كثيرًا من أهل العلم لا يُصدق كل ما يُنقل إليه، ولا يُوثق بكل ما يُخبر به.
فلذا ينبغي أن نتعاهد علماء السنة هؤلاء بالكلمة الطيبة والمعاملة الطيبة وأن نلتف حولهم وأن نقنعهم لأنهم علماء سنة وأهل غيرة، ولابد أنهم متى ما عرفوا ضلال هؤلاء القوم أنهم سيتخذون موقفًا شرعيًا، وقد يوجد من الشباب من يظن أن الجمعية مبتدعة وهي ليست كذلك، فيعرضونها على العالم ويعيدونها عليه، والعالم لا يقبل، وقد يكون المخطئ الشاب نفسه.
فإذن ينبغي أن يُتحرَّى في مثل هذا وأن يُتثبَّت وأن يُفرَّق بين أهل العلم والفضل ومواقفهم، كما قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه (مدارج السالكين): والكلمة المجملة تصدر من رجلين، وعلى كل واحد تُحمل هذه الكلمة على معنى، وذلك بالنظر لهديه وسيرته. هذا ينفعنا في إحسان الظن في علماء أهل السنة إذا التبس عليهم الأمر في بعض الأفراد والجماعات، مع التأكيد على أمرين:
الأمر الأول: ينبغي أن يُلتف على علماء السنة وأن نكون حولهم، فهم علماؤنا.
الأمر الثاني: أن الشاب أو المُبدع لهم قد يكون مخطئًا، وقد يكون مصيبًا، فالعبرة بالحجة والدليل والبرهان.
أما الشِّق الثاني والأساس الثاني: فإن كثيرًا من الناس يتساهل مع أهل البدع بحجة أنهم يُعادون الكفار وفي أرض الكفار، وهذا خطأ، وينبغي أن يكون موقفنا واحدًا تجاه أهل البدع سواء كانوا بأرض الكفار أو غيرها، وأن نواجه الطائفتين الضالتين، أهل البدع والكفار، ولاشك أن أهل البدع خير من الكفار لأنهم مسلمون، لكن في المقابل الضرر بهم أكثر.
روى أبو نعيم عن الفضيل بن عياض أنه قال: آكل مع اليهودي والنصراني ولا آكل مع المبتدع، فإني إن أكلت مع المبتدع اقتُديَ بي.
فلذلك تحصل الفتنة بمثل هذا، فينبغي أن نواجه الطائفتين الكفار وأهل البدع، مع اعتقاد أن الكفار أضل وفي المقابل أن أهل البدع من حيث الجملة أضر على رأس المال من أهل السنة ومن الإسلام؛ لأنه يُظن بهم خيرًا.
فكم طلت هذه الشبهة على كثيرين وصارت سببًا لتمكين أهل البدع فأضرت بالإسلام والمسلمين، ومن ذلك أن بعض أهل السنة تساهل مع الأشاعرة لأنهم ضد المعتزلة، فصارت النتيجة أن الأشاعرة دخلت على أهل السنة وأفسدت كثيرًا من أهل السنة وانتشرت، فلذا ينبغي أن نُغلق البابين كليهما، باب الكفار وباب أهل البدع، بالرد على الجميع.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا.