يقول السائل: ما توجيه حديث: «كُنَّا نَعُدُّ الجلوس عند أَهْلِ الْمَيِّتِ، للطعام من النياحة»، ومعلوم اختلاف أنظار العلماء فيه رواية ودراية، وهل هو حكاية إجماع الصحابة؟
يُقال جوابًا عن هذا السؤال: هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بيَّن ضعفه الإمام أحمد في مسائل أبي داود للإمام أحمد، وبيَّن أنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، لو لم يأتِ ما يخالفه من جهة الدراية على افتراض صحته لقيل إنه يفيد الإجماع، لكن قد جاء فيما يخالف ذلك.
وقد علق البخاري: «أن النساء اجتمعن لوفاة خالد بن الوليد»، وأيضًا أخرج البخاري في قصة تلبينة: «أن النساء اجتمعن لما توفي لمرأة ميت، اجتمع النساء عندها ومعهن عائشة، وذكرت لها: أن صنع التلبينة يجم الفؤاد»، ورفعت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فالمقصود أن اللفظ لو صح لأفاد الإجماع، لكن هذا لا يسلَّم لأمرين:
أولًا: صحة الإسناد.
وثانيًا: قد ثبت عن الصحبة الاجتماع عند الميت.
لذا على أصح أقوال أهل العلم أن أمثال هذه الأمور ترجع إلى عادات الناس وأعرافهم، فإذا كانت عادة الناس الاجتماع؛ فإن لهم أن يجتمعوا؛ لأنه ليس هناك دليل صحيح يمنع ذلك، هذا على أصح أقوال أهل العلم، وهو أحد القولين عند الحنابلة.
لكن ليس معنى تجويز الاجتماع أن يُقرَأ القرآن في العزاء، أو أن يخصص أيام للولائم، بحيث إنك ترى بعضهم يخصصون اليوم الفلاني لذبح ذبيحة أو دعوة الناس إلى غير ذلك، فإن مثل هذا من البدع.
فإذًا؛ ليس معنى هذا أن أهل الميت هم الذين يصنعون الطعام؛ فإن هذا خلاف ما قرر علماء المذاهب الأربعة، بل الذي يصنع الطعام لهم غيرهم؛ لأنهم قد أتاهم ما يشغلهم.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمَنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما عَلَّمَنا؛ إنه الرحمن الرحيم، وجزاكم الله خيرًا.