يقول السائل: ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي؟ وهل الخلاف فيه سائغ، لأن من العلماء من يجوّزه؟
الجواب:
إن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة، ولا يجوز في شريعة محمد بن عبد الله ﷺ، وذلك يتضح بما يلي:
الأمر الأول: أن هذا الاحتفال أول ما أُحدِث في القرن الرابع، على أيدي العُبَيديين المُسَمَّين كذبًا وزورًا بالفاطميين، وهم الذين يظهرون الرفض ويبطنون الزندقة، فهو إذًا حدث في القرن الرابع على أيدي هؤلاء الذين اشتهروا بتكفير الصحابة وسبهم، كما بين ذلك المقريزي.
فإذن هذا الاحتفال لم يفعله النبي ﷺ، ولا الخلفاء الراشدون، ولا بقية العشرة، ولا أهل بدر، ولا المهاجرون، ولا الأنصار، ولا الصحابة أجمعون، بل ولم يفعله التابعون، ولا أتباع التابعين، بل لم يفعله أئمة المذاهب الأربعة كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.
فإذن، هي بدعة حدثت في القرن الرابع، فيا سبحان الله هل تكون خيرًا ولم يفعلها رسول الله ﷺ ولا هؤلاء؟ قطعًا لو كان هذا العمل خيرًا لفعلوه، فلما لم يفعلوه دل على أنه ليس خيرًا، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي ﷺ قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وثبت في صحيح مسلم من حديث جابر أن رسول الله ﷺ قال: «وكل بدعة ضلالة».
وثبت عند الخمسة إلا النسائي من حديث العرباض بن سارية، أن النبي ﷺ قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة».
وثبت عند وكيع وغيره عن ابن مسعود أنه قال: «اتبعوا، ولا تبتدعوا، فقد كُفِيتُم»، وروى البيهقي في (المدخل) عن ابن عمر أنه قال: «كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة»، إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة في التحذير من البدع، ومن ذلك: الاحتفال بمولد النبي ﷺ.
الأمر الثاني: أن العلماء متنازعون في تحديد يوم مولده ﷺ، وليس هناك دليل صريح في تحديد يوم مولده، وقد ذكر النزاع جمع من أهل العلم، كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، وممن ذكر ذلك المناوي في كتابه (الفتوحات السبحانية).
فإذن لم يثبت يوم مولده ثبوتًا يقطع بجزمه، فإذن لا يصح أن يجزم بأن يوم مولده هو ذاك اليوم، لذا من أراد أن يجزم بذلك فيلزمه الدليل، وليس هناك دليلٌ، لا ظاهر ولا قطعي، في تحديد يوم مولده ﷺ.
بل مما ذُكِر أن يوم وفاته هو في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، فلو صح هذا، أو صح تحديد يوم مولده، فإنه ليس جعل هذا اليوم يوم حزن بأولى من جعله يوم فرح وسرور.
وبما أن الأمرين لم يثبتا، فلا يصح الاعتماد عليهما، ولو ثبت فلا يصح أن يُجعَل لا يوم حزن، ولا يوم فرح واحتفال.
الأمر الثالث: أنه لا يجوز في الشريعة إلا عيدان: عيد الفطر، وعيد الأضحى، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد: «أن النبي ﷺ نهى عن صيام يومين، يوم الفطر، ويوم الأضحى».
وثبت عند أبي داود والنسائي عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قدم المدينة، ولهما يومان يلعبون فيهما، فقال: «قد أبدلكما بهما خيرًا منهما، عيد الفطر، والأضحى».
فإذن ما عدا ذلك فلا يصح أن يحتفل به، ولا أن يجعل عيدًا.
فتقصُّد زمانٍ لذاته أو مكانٍ لذاته هو من جملة الأعياد المحرمة، فكل عيد لا دليل عليه فإنه محرم، سواء كان الاحتفال بمولد النبي ﷺ، أو كان عيدًا وطنيًّا أو غير ذلك.
إلا أن المولد أشد من العيد الوطني، ومن الاحتفال بمرور كذا وكذا على تأسيس شركة أو غير ذلك، لأنه يُتعبَّد به، كما تقدم بيانه.
والأمر الرابع: أنه يحتَف بهذا الاحتفال منكرات أخرى من شركيات ومعاصٍ وبدع أخرى، ومعاصٍ شهوانية، فقَلَّ أن يكون احتفال إلا وفيه ذكر بردة البوصيري، وفيها قول البوصيري:
وإن من جودك الدنيا وضرتها … ومن علمك علم اللوح والقلم.
يعني: النبي ﷺ.
وهذا شرك؛ فإن الدنيا وضرتها وهي الآخرة، وعلم ما في اللوح المحفوظ كله خاص بالله -عز وجل-، وليس من رسول الله ﷺ لا الدنيا ولا الآخرة، وكذلك علم اللوح والقلم خاص بالله U فجعله لغير الله شرك أكبر.
فإذن يحتف بها تلاوة هذه البردة، إلى غير ذلك من البدع والخزعبلات والمعاصي الشهوانية مما شاع وانتشر.
الأمر الخامس: كثيرًا ما يتعقد المحتفلون بهذا اليوم بالحضرة، وقد حدثني بذلك بعض من حضر في الاجتماعات الخاصة عند صوفية الحجاز، في اجتماعات مغلقة، أنهم إذا احتفلوا فإنما يعتقدون الحضرة، أي: أن النبي ﷺ يحضر، فيقول: اسكتوا، فيسكتون، ويطفئون الأنوار، أو شيئًا من هذا، ثم يجلسون على هذا برهة، ثم يقول سيدهم ورأسهم: قد دخل النبي ﷺ وخرج، وحتى إن بعضهم يتمثل بقول القائل:
هذا النبي مع الأحباب قد حضر … وسامح الكل فيما قد مضى وجرى.
فالبيت الأول بدعي، والثاني شركي؛ لأنه لا يغفر الذنوب إلا الله كما قال -عز وجل-: ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ﴾ [آل عمران:135] إلى غير ذلك من الأوجه التي تدل على حرمة الاحتفال بهذا اليوم، وأنه بدعة منكَرة، ولا يصح فعله.
ومما ينبغي أن يعلم أن العلماء المحققين متفقون على أن النبي ﷺ وصحابته الكرام والتابعين لهم بإحسان لم يفعلوا هذا الاحتفال، وإنما غاية ما في الأمر أنهم يستدلون بأدلة عامة وأقيسة ساقطة.
ومثل هذا لا يصح الالتفات إليه، وأن يترك الأمر الذي تقصد تَرْكَه النبيُ ﷺ وصحابته الكرام والتابعين لهم بإحسان، فإنه لو كان خيرًا لكانوا أسبق إليه.
أما قول القائل السائل: هل في المسألة خلاف معتبر؟ لأن من العلماء من يجوّزه.
فيقال: إنه يوجد عند العلماء المتأخرين أخطاء لا يصح أن يُتابَعوا عليها، ولا يصح أن يُجعَل خطؤهم مسوِّغًا للخلاف، ولا أن يُجعَل الخلاف معتبرًا.
وإنه يلزم هذا أن يجعل ما أحدثه بعض المتأخرين من العلماء المعتبرين من مسائل عقدية ضالة، ويلزم من هذا أن يجعل الخلاف سائغًا في أمثال هذه المسائل كتأويل الصفات وغير ذلك.
فإن من وقع في ذلك من العلماء المعتبرين لنا معه موقفان:
الموقف الأول: أن نخطئه، ولا نتابعه في خطئه.
والموقف الثاني: أن يُعتَرف بعلمه، كما روى أبو داود عن معاذ قال: «احذر زلة الحكيم»، فهذه من زلة الحكيم التي لا يجوز أن يُتابَع عليها.
ولو كان كل زلة لعالم جُعِلَت خلافًا سائغًا أو معتبرًا، ورُد الإجماع السابق لجعلت كثير من العقائد البدعية ممن زل ووقع فيها بعض أهل العلم، مِن الخلاف السائغ، ولا قائل بهذا من أهل العلم المعتبرين.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يهدي المسلمين لاتباع سنة النبي ﷺ وتعظيم النبي محمد ﷺ، وأن يعرفوا للنبي ﷺ قدره، وأن يمن علينا أجمعين بشفاعته، ﷺ.
وأدعو المسلمين أجمعين أن يجتهدوا في نشر الردود على من يظن جواز أو استحباب الاحتفال بمولد النبي ﷺ، فما أكثر الرسائل التي تأتي في تويتر أو بالواتس أب أو بالفيس بوك في الدعوة إلى مثل هذا، فأدعو من وصلته رسالة مثل هذه أن يبادر بالرد، وأن يبين أنه محدث وغير جائز.
فإن الدين النصيحة والله سبحانه يقول: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران:110].
وأختم ببيان أنه يوجد في موقع في شبكة الإسلام العتيق ركن خاص بكلام أهل العلم ودعاة السنة في الرد على هذه البدعة المنكرة، وجزاكم الله خيرًا.