ما حكم الموسيقى والمعازف للرجال والنساء؟
فيقال: إن الموسيقى والمعازف محرَّمة، وقد دلَّ على ذلك كتابُ الله وسُّنَّةُ النبي صلى الله عليه وسلم، وفتاوى الصحابة والإجماع.
أما كتاب الله: فقد قال سبحانه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [لقمان: 6]، والمراد بـ لَهْوَ الْحَدِيثِ: الغناء، كما سيأتي في تفسير الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم أعلم الناس بالتنزيل.
أما السُّنَّة: فثبت عند البخاري وإسناده صحيح؛ لأن البخاري رواه معلقًا عن أبي مالك الأشعري، أو عن أبي عامر: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَّ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» قوله: ((يَسْتَحِلُّونَ)): هذا يدل على أنها محرمة.
وكذلك ثبت في البخاري من حديث عائشة: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا»
وجه الدلالة من هذا الحديث: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ أبا بكر على أن الدف من مزامير الشيطان، والأمر إذا أضيف للشيطان دل على الحرمة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز الدف وحده، أي: لا يلحق به الطبل ولا غيره، وإنما أجاز الدف وحده في يوم العيد وللنساء.
فالمقصود أنه سمى الدف الذي هو أقلُّ آلات اللهو والمعازف، سماه بمزمار الشيطان، فدل هذا على أنَّ الغناء محرَّم، وذلك أن الدف من المعازف المحرمة، كما بيَّنَ هذا الإمام ابنُ القيم رحمه الله تعالى في كتابه “إغاثة اللهفان”، وأيضًا في كتابه “السماع”.
أما في فتاوى الصحابة: فقد ثبت عند البخاري في الأدب المفرد: أن ابن عباس قال في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ قال: ((الغناء)).
وثبت عند ابن أبي شيبة، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ((الغناء، والذي لا إله إلا هو))، .
أما الإجماع: فقد حكى الإجماع على حرمة الغناء المصحوب بالمعازف جمعٌ من أهل العلم كالآجُرِّي، والطبري، وابن قدامة، والبغوي، وابن رجب، وابن حجر الهيثمي وغيرِهم من أهل العلم.
فهذه الأدلة الأربعة: من الكتاب والسنة وآثار الصحابة والإجماع دالة على أن الغناء المصحوب بالمعازف والموسيقى محرَّم.
وبما أن في المسألة هذه الأدلة الظاهرة مع الإجماع، فإذًا: يكون الخلاف غير سائغٍ، ويجب الإنكار عليه؛ لأنه قال قولًا محدثًا، وخالف الأدلة التي تقدم ذكرها.
وبعضهم شغب على هذا، وزعم أن الغناء جائزٌ مستدلًا بأنه قد جاءت آثار عن بعض السلف في تجويز الغناء، فقال: هذا يدل على أنَّ الغناء جائزٌ، وأن في المسألة خلافًا.
فيقال: ينبغي أن يلاحظ في هذه المسألة إلى أمرٌ مهم، وهو أنّ هناك فرقًا في بحث هذه المسألة بين الغناء المطلق، والغناء المقيد بآلات اللهو كالمعازف والموسيقى والطبول وغير ذلك.
فالمصحوب بآلات الموسيقى هو الذي أجمع العلماء على تحريمه ماعدا الدف؛ فإن فيه خلافًا في يوم العيد، وفي الزواج لإعلان النكاح، أما بقية أنواع المعازف، فهي محرمة بالإجماع، على ما تقدم تقريره.
أما إذا وجدت لأحد من أهل العلم، أو لأحد من السلف أنه جوَّز الغناء ، فهو الغناء غير المصحوب بآلات اللهو والمعازف، أما المصحوب بآلات اللهو والمعازف فهو محرَّم بالإجماع، وهو خارج مورد النزاع في هذه المسألة.
هذا أمر ينبغي أن يُفْقَه ويُنْتَبه إليه، وألا يُستمع إلى المشَبِّهين والملَبِّسين في هذه المسألة؛ حيث إنهم يفزعون إلى بعض الكلمات للسلف في تجويز الغناء، فينقلون إلى الغناء المصحوب بالمعازف، والسلف إذا جوَّزوا الغناء، فإنما يريدون به الغناء الذي درج عند العرب كالحدأ، فإنه غناء بلا تكلف، أما الغناء بتكلف وتقصد وبألحان معينة فقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه “السماع”” أن الصحابة مجمعون على تحريمه.
أسال الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.