ما حكم الهجرة من بلاد الكفر مع القدرة على إظهار الدين؟ إلا أن بعض الشرائع تبقى ممنوعة مثل الإعلان بالأذان، والنقاب، والذبح في المنزل، مع أنهم يخصصون أماكن خاصة للذبح ، وهل الذي يجوز لهم البقاء هم الدعاة والعلماء فقط، أم حتى الإخوة المستقيمين الذين يمكنهم التأثير على الكفار، وهل وجود المعاصي الظاهرة في البلد يوجب الهجرة؟ وهل مصير الأولاد الذين في تربيتهم على الدين يوجب الهجرة؟
يقال جوابًا على هذا السؤال: الهجرة في الشريعة إنما تجب على المستضعف الذي لا يستطيع إظهار دينه، كما قال سبحانه: ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 98]
فإذن هذه الآية دلَّت على أن اللوم والذنب هو على الذي لا يستطيع إظهار دينه، أما من يستطيع إظهار دينه فليس داخلًا في الذنب، هذا بدلالة مفهوم المخالفة.
ومعنى إظهار الدين: أي: أنه يقول: إني مسلم، ولا يعذَّب على ذلك، كما يدل على ذلك كلام الإمام الشافعي، والماوردي في كتابه “الحاوي”.
فما كان كذلك جاز له أن يبقى في بلاد الكفار، مع أن الأفضل أن يهاجر من باب سلامة النفس، وأن يعيش في بلاد المسلمين، فهو أشجع له على التعبد بالدين، وأسلم لفطرته ولأولاده، لاسيما وقد بلغني أن بعض بلاد أروبا إذا أُدخِل الأولاد المدارس، وبلغوا مرحلة من مراحل الصف الابتدائي، عُرِّي الولد والبنت حتى يزيلوا الحياء عنهم، ولذلك الهجرة أفضل ومطلب شرعي، وإن كانت ليست واجبة لمن يستطيع إظهار دينه.
أما من كان من أهل العلم والدعاة، فالأصل أن بقاءه في بلاد الكفر لينفع الناس ويدعوهم إلى الله أفضل، لأجل أن عنده نفعًا متعديًا.
وقد استدل ابن قدامة على ذلك بقصة العباس رضي الله عنه، فإنه بقي في مكة، ولم يهاجر لمصلحة، قال: فإذا كان في بقائه مصلحة فإن عدم هجرته مستحب.
فإذن، الأصل أن الهجرة واجبة على من لا يستطيع إظهار دينه، ومن استطاع إظهار دينه فلا تجب الهجرة عليه، وإن كانت أفضل.
أما من كان في بقائه نفع للإسلام والمسلمين، فإن عدم الهجرة في حقه أولى وآكد، كما يدل على ذلك قصة عباس رضي الله عنه .