ما حكم هذين البيعين؟ باع محمدٌ سيارةً لعمر بمبلغ خمسٍ وثلاثين ألف مؤجلًا، وبعد سنة أقساط، ثم عمر عرضها بعد أسبوعين للبيع، فاشتراها محمَّد بخمس وعشرين ألف كاش، يعني المراد بالكاش أي: نقدًا، ثم محمَّد باع عبدَ الله نفس السيارة بمبلغ أربعٍ وثلاثين ألف مؤجلًا بعد سنة، أو بعد أسبوع من البيع عرض عبدُ الله السيارة نفسها للبيع، فاشتراها محمد بمبلغ أربع وعشرين ألف ريال؟
يقال: إن هاتين البيعتين محرمتان؛ لأنها بيع عينة، ومعنى بيع العينة: أن يبيع رجلٌ عينًا من سيارةٍ أو غيرها تقسيطًا إلى أجل بمبلغٍ، ثم بعد ذلك يشتريها ممن باعها إليه نقدًا بمبلغ أقلّ من المبلغ الذي باعها به تقسيطًا إلى أجل، هذا هو بيع العينة، وهو ما سأل عنه السائل.
لما ذكر أن محمدًا باع سيارة لعمر بمبلغ خمسٍ وثلاثين ألف ريال مؤجلًا بعد سنة أقساط، ثم بعد أسبوعين اشتراها محمد من عمر بمبلغ خمس وعشرين ألف ريال؛ هذا هو بيع العينة، فكلا البيعتين المذكورتين في السؤال من بيع العينة.
وبيع العِيْنَة محرَّم، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد، وبه أفتى ابن عباس، كما ثبت في “المدونة“ بإسنادٍ صحيح.
فإن قيل: إنهما لم يتفقا على هذا البيع.
فيقال: إنهما لو اتفقا على هذا البيع لصارت الحرمة أشد، وقد أجمع العلماء على أنهما إذا اتفقا على بيع العينة فإنَّه محرَّمٌ بالإجماع، حكى الإجماعَ السبكي في تكملته لكتابه “المجموع“، فإذًا: إذا لم يتفقا فهو محرَّم، وإذا اتفقا صارت الحرمةُ أشد.
وحقيقة بيع العينة أنها بيع مالٍ بمال، لكن المال المؤجل أكثر من المال الحال أي النقدًا أقل، وهذا هو عين الربا، وقد ثبت في «المدونة» أن ابن عباس قال:” إياك أن تبيع دراهم بدراهم بينهما جريرة “
فإذًا: بيع العينة محرَّمٌ، ويجب أن نتقي الله، وأن يحذر المسلمون من بيع العينة.
ثم اعلموا أنَّ بيع العينة بيعٌ باطل وفاسد في حق البائع والمشتري، كما ذهب إلى ذلك مالك وأحمد، لكن إذا كان السائل جاهلًا بحكم هذا البيع؛ فإن البيع يكون صحيحًا، ولا إثم عليهما لجهلهما، لكن إذا كانا عالِمَيْنِ أو كانا مُفَرِّطَينِ في طلب العلم، وعندهما شكٌ أن تكون هذه المعاملة محرَّمة، ولم يسألا، وإنما تبايعا؛ فإنهما آثمان، ويكون البيعُ محرَّمًا.