يقول السائل: حصل اجتماع في مدينة جروزني عاصمة الشيشان، فأصدروا بيانًا في اليوم السابع والعشرين من شهر ذي القعدة لعام سبع وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، بعد اجتماع لمدة ثلاثة أيام، وفيها عشرة بنود، ومنها: أنهم حصروا أهل السنة في الأشاعرة والماتريدية، وفي الصوفية منهجًا وسلوكًا، فما رأيك؟ وما الواجب تجاه هذا البيان؟
يُقال جوابًا عن هذا السؤال: إني قد طالعت هذا البيان، ورأيت المجتمعين، وأن هؤلاء المجتمعين ما بين أشاعرة وماتريدية من بلاد العالم الإسلامي، وبعضهم قد يكون من غير بلاد العالم الإسلامي ، وكان كثيرًا من الحضور من الأزهر.
ولا يستغرب من أمثال هؤلاء أن يُخرجوا بيانًا لاسيما وقد أخرجوا هذا البيان في دولة جروزني وحاكمها معروف بعدائه لأهل السنة، وبعدائه لما عليه سلف هذه الأمة، وسأذكر نقدًا إجماليًا لهذا البيان، ثم بعد ذلك أرسل رسالتين.
أما النقض الإجمالي فيتلخص فيما يلي:
الأمر الأول: إنهم في البيان حصروا أهل السنة في الأشاعرة والماتريدية، وهذا من البلاء المبين والخطأ المشين، ولو كانوا أصحاب دليل من كتاب وسنة، بل من عقل صحيح، لما صح لهم أن يفعلوا ذلك.
كيف يصح أن يحصروا أهل السنة في الأشاعرة والماتريدية؟ بل كيف يصح أن يجعلوا الأشاعرة والماتريدية من أهل سنة؟ وهم المخالفون لاعتقاد الكتاب والسنة، وعلامة الحق هو موافقة الكتاب والسنة، كما قال سبحان: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩].
كيف يقال: إن الأشاعرة أهل سنة وهم لا يثبتون علو الله؟ كيف يقال: إن الأشاعرة أهل سنة وهم يقولون إن الله لا يتلفظ بالكلام؟ وهذا القرآن لم يتلفظ به سبحانه، أي لازم قولهم:كما اعترف بذلك شيخهم الرازي أن الله لم يتكلم بالقرآن.
فهذا القرآن الذي هو الوحي المبين، ليس كلام الله على اعتقاد الأشاعرة؛ لأن الله لم يتلفظ به سبحانه، وهذا لازم قولهم كما اعترف به إمامهم، بل إن الأشاعرة يعتقدون: العباد مجبَرُون، ليس لهم إرادة.
فكل الذي تراه الآن يضرب الرجل رجلًا، ويقتل الرجل رجلًا لا يقال: إن هذا الرجل قتله؛ لأن القاتل ليس له إرادة، وإذا احترق الحطب بالنار، لا يقولون: إن النار حرقت الحطب، وإنما يقولون: إن الحطب احترق عند النار إلى غير ذلك من الخزعبلات التي تخالف أدلة الكتاب والسنة، وتخالف العقول السليمة، ولا يرضاها عاقل فضلًا عن غيره.
لذا العامة لو عرفوا حقيقة اعتقاد الأشاعرة لتبرأوا من هذا الاعتقاد.
النقطة الثانية: حاولوا في هذا البيان تهميش الدولة السعودية، لذا لم يشيدوا بها، ولم يستضيفوا أحدًا من علمائها، وهذه محمدة للدولة السعودية؛ لأنهم ليسوا على اعتقاد الأشاعرة ولا على اعتقاد الماتريدية؛ بل على الاعتقاد الذي عليه اعتقاد السلف الصالح، وفعلهم هذا يذكرني بقول القائل:
كَنَاطِحٍ صَخرَةً يَوْماً ليوهنها…. فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ.
بالله عليكم ما الذي يضر الدولة السعودية في ألا يستضاف أحد من علمائها في مثل هذا المؤتمر؟ بل إن عدم الاستضافة مدح لهم.
وليعلم هؤلاء وغيرهم أن الله أعز الدولة السعودية بأمور من أهمها أنهم قاموا بوحيد الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن قام بدين الله أقامه الله، وأعزه، ونصره، كما قال سبحانه: { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}[الحج: ٤٠].
ومن سبب عزتها وتمكينها أنهم خدام للحرمين، وقد طهروا الحرمين من البدع والشركيات، وأظهروا منارات التوحيد والسنة، وأنوار الهدى بعد أن تولوا هذين الحرمين، أسأل الله أن يزيدهم توفيقًا، وسدادًا وجميع دول المسلمين برحمته وهو أرحم الراحمين.
النقطة الثالثة: همَّشوا أهل السنة الذين هم على اعتقاد السلف الصالح في العالم كله، ليس أحد من الحضور من أهل السنة في العالم، لا في مصر، ولا في باكستان، ولا غيره من دول العالم الإسلامي -فيما علمت-، فلم يحضر هذا أحد من أهل السنة.
وإنما استضافوا من هم على شاكلتهم، وكما يقال: الطيور على أشكالها تقع.
النقطة الرابعة: عرَّضوا بأن أهل السنة، والسلفيين ومن سار على معتقد السلف الصالح أنهم تكفيريون، وأنهم مصدر للإرهاب إلى غير ذلك.
وهذا التعريض ليس غريبًا؛ فإن أهل البدع لا زالوا يرمون أهل السنة بالسوء، ويحاولون أن يلصقوا بهم التهم، وهم في ذلك، قد وافقوا الكفار، من اليهود والنصارى، وضموا صوتهم إلى صوت أولئك الكفار، وإلى صوت الرافضة الذين وصفوا أهلَ السنة بأنهم تكفيريون، والذين يسمونهم في هذا الزمن بالوهابية إلى غير ذلك من ألقاب السوء.
وإن براءة أهل السنة من هذا أوضح من الشمس في رائعة النهار.
كيف يوصف أهل السنة بذلك؟ وهم متمسكون بالكتاب والسنة حقا، فلم يكفروا إلا من كفَّره الله ورسوله، ولا يجوّزون تكفيرًا بغير حق، إلى غير ذلك، وقد كتبت كتابًا بعنوان: “براءة دعوة الإمام محمد عبد الوهاب من الخوارج، النصرة وداعش نموذجًا”، والكتاب موجود في “موقع الإسلام العتيق”، وذكرت البراهين الواضحة في براءة هذه الدعوة، من هذا التكفير الذي يسمونها به.
ثم مما يوضح ذلك أن أكثر التفجيرات في العالم كله، في مسلمه وكافره في الدولة السعودية ، فلو كانت ترعى التكفير، ولو كان التكفير خارجًا منها لما كانت أكثر الدول تفجيرًا.
وفي المقابل انظر إلى دولة الصفويين والرفض إيران، كيف سلمت من هذه التفجيرات، ومن نظر إلى هذا بعين الإنصاف والاعتبار، وبعين العقل علم أن وراء الأكمة ما ورائها.
النقطة الخامسة: أنه قد حضر هذا المؤتمر بعض السعوديين ممِّن عُرِفوا بالضلال العقدي، ومنهم حاتم العوني، وحاتم العوني قد كان يظهر أنه على اعتقاد أهل السنة، -وقد يكون كذلك وقد لا يكون-، لكنه بعد ذلك قد أظهر اعتقاده الضال، ومنهجه الساقط، وظهرت مخالفته لاعتقاد أهل السنة.
فهو إن كان صادقًا أنه كان على معتقد أهل السنة، فيصدق عليه قول الله -عز وجل-: {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا } [النحل: ٩٢] ، أسأل الله أن يعافيني وإياكم، وهذا الرجل أضله الله على علم، وعلى عناد، وعلى بغي، عافاني الله وإياكم.
فهو المسكين يفضح نفسه كل يوم، فمن لا يزال محسن الظن به، فإنه بعد اجتماعه مع هؤلاء سيتضح له أمره، ولا أظن إن شاء الله تعالى أن منصفًا لا يزال يغتر به، ويكفي أن تعلم أن هؤلاء دعوا حاتم العوني من بين السعوديين.
فهذا دل على أن ضلاله قد ظهر واتضح حتى إن أهل الضلال من الأشاعرة والماتريدية قد عرفوه، واختاروه من بين المنتسبين للعلم من السعوديين. ما تقدم نقد إجمالي لهذا البيان.
أما بعد ذلك فأرسل رسالتين:
الرسالة الأولى للمسلمين عامة، وهي تكون فيما يلي:
الأمر الأول: ليعلم المسلمون، وأهل السنة أجمعون، أن الحرب حربٌ عقدية، فانظروا إلى اجتماع هؤلاء في هذا الاجتماع لمحاربة معتقد أهل السنة، وانظروا إلى جهود الرافضة في محاربة معتقد أهل السنة، وانظروا إلى جهود الحوثيين ودعم الدولة الصفوية لهم، لمحاربة الدولة السعودية دولة التوحيد والسنة، فالحرب حرب عقدية.
الأمر الثاني: ينبغي على أهل السنة أن يتعلموا معتقدهم، وأن يعلِّموا أولادهم وأهلهم، وأن ينشروا هذا المعتقد، ينبغي على أهل العلم من العلماء وطلاب العلم أن ينشروا معتقد أهل السنة، وأن يجتهدوا في ذلك، وينبغي على العامة أن يبذلوا جهدهم في نشر كتب أهل السنة، وفي مقدم ذلك: كتب علمائنا كالإمام ابن باز والإمام الألباني والإمام ابن عثيمين، والعلامة الفوزان، وغيرهم من علمائنا.
انشروا كتبهم وكتب معتقد أهل السنة بين الناس، وانشروا كتب الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ليعرف الناس حقيقة معتقد أهل السنة، وأنه المعتقد الحق، فينشأ عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير.
الأمر الثالث: ينبغي لأهل السنة أن ألا يلتفتوا إلى المخذِّلين ممن هم يتصفون بأنهم أهل السنة، ويظهرون أنهم يلبسون لباس أهل السنة كالدعاة الحركيين من السعوديين وغيرهم، فهؤلاء يضرون أهل السنة أكثر مِن ضرر مَن هو ليس من أهل السنة كالأشاعرة وغيرهم، لأنه يُظَن بهؤلاء أنهم من أهل السنة.
ووجه ضررهم: أن عامة أهل السنة يرون هؤلاء يتقاربون مع دعاة القبوريين، ودعاة البدع إلى غير ذلك، فيرجع هذا على العامة بالضرر، فترى أحد رموز هؤلاء كالعريفي يخاطب الجفري بالأخوة والمحبة إلى غير ذلك، وترى العودة وظله المتيم به السائر وراءه على عمى عبد الوهاب الطريري، يزورون الصوفية بل الطريري ذهب إلى قبور بعضهم، وزار علماءهم، ومثله سلمان العودة إلى غير ذلك من الدعاة هؤلاء الذين يفسدون عوام أهل السنة باسم أهل السنة، والضرر بهم أشد من غيرهم.
يجب أن نقوم قومة واحدة في تصفية الصف من الداخل والخارج، وألا نغتر بأمثال هؤلاء، لذا ترى هؤلاء يقفون مكتوفي الأيدي تجاه أمثال هؤلاء، ولا ترى لهم جهودًا في مناطحة هذه البيانات وهذه الاجتماعات، التي تغزو معتقد أهل السنة.
الأمر الرابع: يردد بعض الجهلة من الكُتاب وغيرهم أن أهل السنة، أو من يسير على منهج السلف، أو المتبعين للسلف الصالح أنهم أحادي التوجه، وأنهم تكفيريون إلى آخره.
ويقال إن هذا البيان أوضح ما يوضح لك أن الأشاعرة والماتريدية وأهل البدع من الصوفية وغيرهم هم الضلال وهم التكفيريون، ببيانهم هذا، فقد كفروا أهل السنة بغير حق، وضللوا بغير حق .
وإن كان أهل السنة أحاديي التوجه؛ لكن فيما أمرت الشريعة أن نكون أحادي التوجه فيه كالأمور المتعلقة بالاعتقاد، فإنهم قد فعلوا ذلك بناء على الكتاب والسنة، وما عليه سلف هذه الأمة، وهم مستعدون أن يبينوا هذا، بل بينوه كثيرًا ولازال يبينونه ويبينونه، وسيستمرون إن شاء الله في بيان أن أدلة الكتاب والسنة، وأن هذا ما يريده الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن الأدلة الكثيرة تدل على هذا.
أما أولئك الأشاعرة والماتريدية والصوفية لا يستطيعون أن يثبتوا دليلًا واحدًا لمعتقدهم، بل إنهم يستحون أن يعرف الناس حقيقة معتقدهم، أتدرون أن علماء الأشاعرة يكفرون عوام المسلمين المقلدين؟ ويقولون إنهم كفار، وطائفة من الأشاعرة لا يقولون إنهم كفار، بل يقولون إنهم ضُلَّال.
فهم لا يقبلون التقليد في باب الاعتقاد مطلقًا، ويرون أن المقلد من العوام وغيرهم إما أنه كافر أو أنه ضال مبتدع، هذا هو اعتقادهم الذي عليه كتبهم، وكثير من العامة يجهل ما عليه هؤلاء.
أما الرسالة الثانية فهي لإخواننا السلفيين من الشيشانيين، إني أدعوهم أن يجتهدوا على تعلم العلم، وعلى التعبد، والتنسك، والتعلق بالله، فإن من تعلق بالله نصره الله وأعانه ووفقه، وأدعوهم إلى التواصي بالحق، وأن يتواصوا بالصبر، وأن يصبروا ، وكما قال ابن مسعود: وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيح بَرٌّ أَوْ يُسْتَرَاح مِنْ فَاجِر.
وأدعوهم أن يقوموا بمعتقد أهل السنة تجاه حاكمهم، وإن كان داعية للبدعة والضلال، لكن يجب عليهم الصبر، وأن يعتبروا بمثل الإمام أحمد كيف صبر على حكامه المعتزلة، ولم يناطحهم، بل صبر، ودعا لهم، وأمر الناس أن يجتمعوا عليهم.
فالله الله! أن نقوم بمعتقدنا يا أهل السنة بالصبر على جور الحكام المسلمين، سواء كانوا من أهل السنة أو غيرهم، وسواء كانوا ظلمة أو غير ظلمة.
الله الله! أن نتمسك باعتقادنا؛ فإن الأيام معدودات، والأزمان سريعة الذهاب، وغدًا سنقف بين يدي الله، فمن لقي الله متمسكًا بمعتقد أهل السنة بالحق فإن سيلقى الله ناجيًا.
وفي الختام أبشر أهل السنة جميعًا أن هذه الاجتماعات وغيرها لا تضر بإذن الله، وإنما تزيد أهل السنة نشاطًا، وتجعلهم ينتبهون إلى أن هناك من يعمل لتضليل معتقد أهل السنة، فيزيد نشاطه نشطًا وجهدهم جهدًا.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يحيينا جميعًا على التوحيد والسنة، وأن يميتنا على ذلك، وجزاكم الله خيرًا.