يقول السائل: ما رأيك فيمن يُخطئ طريقة دراسة الفقه على طريقة الترجيح، ويقول: هذا يُجرِّئ الطلاب على العلماء؟
الجواب:
ينبغي أن يُعلم قبل الجواب على هذا السؤال أن ترجيح قول عالم على عالم ليس انتقاصًا للعالم الآخر، فما زال العلماء يرد بعضهم على بعض، وما زال المشايخ يُرجِّحون قولًا دون الآخر ويُبيِّنون الأدلة في رجحان قولهم وأن القول الآخر مرجوح، إلى غير ذلك، ولا يقول أحد من أهل العلم إن هذا انتقاص للعالم الذي رُجِّح قوله، كلا، هذا لا يصح بحال، بل العلماء يُؤصِّلون لأمر مهم وهو أن المُبتغى لدراسة العلم هو الوصول إلى ما يُرضي الله سبحانه وتعالى، وهذا إنما يكون بالحرص على أخذ الأقوال بدليلها الشرعي، لأن الدليل ما سُمي دليلًا إلا لأنه يدل على ما يريده الله سبحانه في نظر المجتهد، ما بين قطع أو غلبة ظن.
فالمقصود أنه ينبغي أن يستحضر كل مُتعبِّد لله بأن دراسته للعلم هو ليصل إلى مراد الله، وهذا الذي كان عليه سلف هذه الأمة، لذلك يُرجِّحون قول فلان ويُخالفون إلى قول الآخر، بل ويُوردون الخلاف بين الصحابة الكرام، ويُرجحون قول أحدهم على الآخر ولا يقول أحد من أهل العلم إن هذا انتقاص لقول الصحابي الذي لم يُرجَّح قوله. هذا ما لا يصح بحال، بل الذي ينبغي أن يدرس الطالب من نعومة أظفاره الفقه بدليله الشرعي، يُدرسه شيخه بدليله الشرعي ويُعلمه طريقة الاجتهاد ويُربيه على اتباع الدليل وتعظيم الدليل، مع تعظيم أهل العلم ومعرفة مقامهم، وأن العلماء في هذه المسائل ما بين أجر أو أجرين، ما بين مصيب له أجران أو مخطئ له أجر واحد، ودونكم كتب أهل العلم، فإنهم لا زالوا على مثل هذا.
أما ما يتعلق بتدريس الطالب، فالطلاب على درجات، إن كان الطالب طالبًا مبتدئًا فيُدرس متنًا في الفقه بدليله الشرعي، يُدرسه شيخه بما يظهر له من دليل شرعي، وإذا كان هناك دليل قوي مُعارض يُبيِّن ضعفه وفي ثنايا تدريسه يُربيه على آلة الاجتهاد ويُبيِّن له أن هذا عام وأن ذاك خاص وأن الخاص مُقدم على العام، وأن المطلق إذا ذُكر فرد من أفراده اقتضى التقييد، إلى غير ذلك.
فمثل هذا ينبغي أن يكون حتى يخرج طلاب أقوياء في العلم ذوو نظر دقيق واجتهاد ويترقوا في آلة الاجتهاد، أما أن بعضهم يُدرس الطالب المبتدئ دراسةً مطولة ويُورد له الخلاف العالي، فهذا خطأ، فينبغي أن يكون العالم والمدرس ربانيًا، يُربي الناس على صغار العلم قبل كباره، ويتدرج بهم رويدًا رويدًا.
فإذن يجب أن نكون وسطًا بلا إفراط ولا تفريط، فلا يصح أن يُطوَّل مع المبتدئ بذكر الخلاف العالي، ومثله لا يفقه مثل هذا ويضره أكثر مما ينفعه، وفي المقابل لا ينبغي أن يُربى الطالب على البُعد عن الدليل الشرعي وألا يُرجح قول على قول بزعم ألا يتجرَّأ على العلماء، إلى غير ذلك، فهذا أيضًا خطأ، وينبغي أن نكون وسطًا في الباب، ودونكم طريقة علمائنا فهي خير طريقة.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.