يقول السائل: ما ضابط العلم الواجب تعلمه في العقائد والعبادات والمعاملات؟
يُقال جوابًا عن هذا السؤال: قد ذكر العلماء العلم الواجب، وممن ذكر ذلك الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، فقد ذكر عنه البيهقي في كتابه “شعب الإيمان”، أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قال: “الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمُ عَامَّةٍ لَا يَسَعُ بَالِغًا غَيْرَ مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ جَهْلُهُ، أي: يجب على كل بالغ عاقل أن يعلمه، قال: مِثْلُ أَنَّ الصَّلَوَاتِ خَمْسٌ، وَأَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَى النَّاسِ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتِ إِنِ اسْتَطَاعُوا، وَزَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ، وَأَنَّهُ حَرَّمَ عَلَيْهِمِ الزِّنَا، وَالْقَتْلَ، وَالسَّرِقَةَ، وَالْخَمْرَ، وَمَا كَانَ فِي مَعْنَى هَذَا مِمَّا كُلِّفَ الْعِبَادُ أَنْ يَفْعَلُوهُ وَيَعْلَمُوهُ وَيُعْطُوهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَأَنْ يَكُفُّوا عَنْهُ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهُ”، إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.
وممن ذكر ذلك ابن رجب رحمه الله تعالى في شرح حديث أبي الدرداء، حديث: «العلماء ورثة الأنبياء»، فقد ذكر رحمه الله تعالى: أن ابن المبارك سئل ما الذي يجب على الناس من تعلم العلم؟
فقال الإمام ابن المبارك رحمه الله تعالى: ألا يقدم الرجل على شيء إلا بعلم، يسأل ويتعلم، فهذا الذي يجب على الناس من تعلم العلم، ثم فسره وقال: لو أن رجلًا لم يكن له مال، لم يكن عليه واجب أن يتعلم الزكاة، فإذا كان له مائة درهم وجب عليه أن يتعلم كم يُخرِج، ومتى يُخرِج، وأين يضع، وسائر الأشياء على هذا.
وقال ابن رجب: وسئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى على الرجل ما يجب عليه من طلب العلم؟ فقال: “ما يقيم به الصلوات، وأمر دينه من الصوم والزكاة، وذكر شرائع الإسلام، وقال: ينبغي له أن يتعلم ذلك”.
وقال أيضًا – أي: الإمام أحمد-: الذي يجب على الإنسان من العلم ما لابد له منه في صلاته وإقامة دينه.
ثم قال ابن رجب: واعلم أن علم الحلال والحرام علم شريف، ومنه ما تعلمه فرض عين، ومنه ما هو فرض كفاية.
إذًا من العلم ما يجب تعلمه، وقد سبق ذكر شيء منه في كلام الإمام الشافعي وابن المبارك، والإمام أحمد، ومنه ما ليس كذلك.
والعلم الواجب ليس له ضابط، بمعنى أن يُعَدَّ واجبًا ، وإنما يقال: العلم الواجب من حيث الجملة نوعان:
الأول: كل واجب على معين، أي: كل فرض عين؛ فإنه يجب على المكلفين أن يتعلموا فروض الأعيان، ومثل هذا واجب على كل مكلف، فيجب على كل مكلف أن يعلم الصلوات الخمس، وأن يعلم صلاة الظهر والعصر إلى آخره من فروض الأعيان.
النوع الثاني: الواجب الذي يجب على كل أحد بحسبه، فمثلًا من عنده مال يزكى فيجب عليه أن يعرف أحكام الزكاة، كما تقدم في كلام ابن المبارك، أما من ليس عنده مال يزكى فلا يجب عليه أن يعرف أحكام الزكاة.
وكذلك من يتاجر في الأسواق، فإنه يجب عليه أن يعرف أحكام البيع والشراء حتى لا يقدم على أمر محرم، ولقد تقدم معنا هذا عن الإمام ابن المبارك رحمه الله تعالى.
فإذًا هذا النوع الثاني يختلف باختلاف الناس.
مع أنه ينبغي أن ينبه إلى أن من فروض الأعيان علم الاعتقاد، العلم بالتوحيد، وأنه لا يعبد إلا الله إلى غير ذلك، وكذلك يجب أن يتعلم المكلف المحرمات، حتى لا يقع فيها كالزنا وشرب الخمر، وغير ذلك من المحرمات كما تقدم في كلام الإمام الشافعي.
فإذًا الجواب من حيث الجملة ما تقدم، أما عدّ الواجب العيني واحدًا واحدًا فيصعب وكذلك كل محرم، وإنما الأمر على ما تقدم ذكره.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمَنا ما يَنْفَعَنَا، وأن يَنْفَعَنَا بما عَلَّمَنَا، وجزاكم الله خيرًا.