يقول السائل: ما فضل الصوم يوم عرفة مع الدليل؟ وهل يصحّ أن أصومه، وعَلَيَّ قضاء فرض؟
يُقال جوابًا عن هذا السؤال: صوم يوم عرفة مستحب باتفاق المذاهب الأربعة، ويدل لذلك أدلة، منها: ما روى مسلم من حديث ابن قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة، قال: «يكفر السنة الماضية والباقية».
فبهذا الحديث بيان لفضل عظيم، وهو أن صوم يوم عرفة يكفر ذنوب وخطايا سنتين، نسأل الله الكريم من فضله.
أما قول السائل: هل يصح أن أصومه، وعلي قضاء فرض؟
يقال: أصح أقوال أهل العلم – والله أعلم- أنه لا يصح لأحد أن يتنفل بنفل صيام، وعليه فرض، كما ذهب إلى ذلك الإمام أحمد في رواية، ويدل لذلك ما ثبت عند عبد الرزاق أن أبا هريرة سئل عمن عليه قضاء فرض، فأراد أن يتنفل بصيام ذي الحجة، قال: «ابدأ بما فرض الله».
فدل هذا على أنه لا يصح لأحدٍ أن يتنفل بصيام نفل، وعليه صيام فرض.
لذا يجب أن يبدأ بالفرض ، ثم بعد ذلك يتنفَّل بالنفل.
فإن قيل: إنه قد كان على عائشة رضي الله عنها القضاء، وكانت لا تقضي هذا القضاء إلا في شعبان؛ لمكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها، كما أخرجه الشيخان عنها رضي الله عنها وأرضاها.
فيقال: إن فعل عائشة هذا محتمل لأحد أمرين، أنها كانت تتنفل النافلة، وتترك قضاء الفرض، فدل هذا على صحة التنفل، ولو كان في الذمة فرض، ويحتمل أنها كانت تترك النفل والفرض، وما كانت تتنفل، إلا أنه إذا ضاق الوقت اضطرت أن تقضي القضاء في شهر شعبان.
فهو إذًا محتمل لهذين الأمرين، وإذا توارد احتمال بطل الاستدلال، ورجعنا إلى أثر أبي هريرة، وهو الصريح في أنه لا يتنفل أحد، وعليه فرض.
ويؤكد هذا أمران:
الأمر الأول: أن عائشة فقيهة، ولو كانت ستصوم فإن صيام الفرض أفضل من النفل، فكيف تتنفل، وتفعل المفضول وتدع الأفضل؟ وهي مطالبة به في ذمتها، وهو أعظم أجرًا مما تتنفل به؟ فقضاء الفرض أعظم من صيام عرفة وغير ذلك.
الأمر الثاني: أن الأصل أن توفَّق بين أقوال الصحابة، فأقوال الصحابة يفسر بعضها بعضًا كما بيَّن هذه القاعدة ابن قدامة في كتابه “المغنى”، وشيخ الإسلام ابن تيمية في “شرح العمدة”، فبمقتضى التوفيق بين الصحابة يحمل أثر عائشة على أنها ما كانت تتنفل، وإنما كانت تؤخر قضاءها للفرض في شهر شعبان، ومقتضى هذا أنها ما كانت تتنفل – رضي الله عنها وأرضاها-.
ولذا الصواب – والله أعلم- أنه لا يصح لأحد أن يتنفل، وعليه فرض.