يقول السائل: ما كيفية دراسة العقيدة؟ وما الطريقة المثلى بترتيب حتى النهاية؟ وجزاك الله خيرًا.
يُقَالُ جوابًا عن هذا السؤال: لا أستطيع أن أعطي ترتيبًا من أول الكُتُب إلى آخرها، لكن الذي أستطيعه هو أن أُرشِد أخانا السائل وغيره إلى أن يؤصِّلوا أنفسهم في الاعتقاد، وأن يهتموا غاية الاهتمام بدراسة التوحيد، وبدراسة كُتُب الاعتقاد؛ فإنها أوجب الواجبات، وأعظم المهمات.
ومن المعلوم أن كُتُب التوحيد من حيث الجملة نوعان:
النوع الأول: ما يتعلق بتوحيد الألوهية.
والنوع الثاني: ما يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات.
أما توحيد الألوهية فأحسن الكُتُب التي كُتُبِت فيها من حيث الجملة هي الكُتُب التي كتبها أئمة الدعوة النجدية السلفية، وتحديدًا كُتُب الإمام المجدِّد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى؛ فإنه قد كَتَب متونًا عظيمة في هذا الفن ، كَتَب كتاب التوحيد، وهو أفضل كتاب في كُتُب التوحيد، كما ذكر ذلك علماؤنا كشيخنا ابن باز وغيره من أهل العلم.
فلذلك من أراد أن يتدرَّج فيما يتعلق بتوحيد الألوهية يبدأ برسائل الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، يبدأ بحفظ “القواعد الأربعة“، ثم بحفظ “ثلاثة الأصول“، ثم بحفظ “كتاب التوحيد“، ثم بحفظ “كشف الشبهات“، ثم بدراسة هذه الكتب.
وأهم ما ينبغي هو أن تدرس هذه الكتب على صاحب علم، وهذا المعلِّم ينبغي أن يعلِّم الناس صغار العلم قبل كباره، بأن يتدرج معهم، ولا يتوسع ولا يطيل لاسيما في المتون الأولى، فبعد هذا إذا دُرِست وحُفِظت على رجلٍ موثوقٍ، فللطالب والدارس أن يتوسَّع بعد ذلك في قراءة بعض الشروح، فيقرأ الشروح المختصرة كشرح الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى “إبطال التنديد“، ثم شرح كتاب القرعاوي “الجديد شرح كتاب التوحيد“.
وهكذا أيضًا يقرأ فيما يتعلَّق بثلاثة الأصول بحاشية ابن القاسم، فيتدرج في قراءة شروح هذه الكتب رويدًا رويدًا، لكن بعد أن يدرسها على موثوق وأن يحفظها.
ثم بعد ذلك يتوسع في القراءة فيما يتعلق بتوحيد الألوهية، يقرأ كُتُب أئمة الدعوة، وهي كثيرة، وهناك كُتُب مفرَدة في الرد على المخالفين ككُتُب الشيخ عبد الرحمن بن حسن، وكُتُب الشيخ عبد اللطيف بن حسن إلى غيرهم من أئمة الدعوة.
فالمقصود أن يتوسع ويقرأ كُتُب شيخ الإسلام كأوائل “مجموع الفتاوى“، وكتاب “الرد على البكري“وهكذا يتوسع رويدًا رويدًا، لكن المقصود أنه في الابتداء يحفظ هذه المتون ويدرسها على موثوق، ويقرأ الشروح المختصرة لهذه المتون، ثم يتوسع في قراءة الشروح رويدًا رويدًا.
ومن أنفع شروح “كتاب التوحيد” كتاب “فتح المجيد”، وكتاب “تيسير العزيز الحميد“، وكتاب شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين.
وكتاب شيخنا العلَّامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى يتميَّز بأن فيه تقسيمات مفيدة، وفيه ذكر ضوابط مفيدة يحتاج إليها طالب العلم.
وهكذا مع التدرج، والدعاء من الله -عز وجل-، ومجالسة طلَّاب العلم، والمباحثة في علم التوحيد يتقوى الطالب.
أما ما يتعلَّق بتوحيد الأسماء والصفات فأنفع المتون التي كُتِبت في ذلك -والله أعلم- هو متن“العقيدة الواسطية“ لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فيحفظه الطالب، ثم يدرسه على موثوق، ثم يبدأ يقرأ الشروح المختصرة كشرح الهراس، ثم شرح شيخنا الشيخ صالح الفوزان، وهكذا من الشروح.
وأنفع شروحها – والله أعلم- هو شرح شيخنا محمد بن صالح العثيمين؛ فإن فيه تأصيلات مهمّة، وتقسيمات مفيدة.
ثم بعد ذلك يقرأ ما يسَّر الله من كُتُب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في هذا الباب، ويتدرج رويدًا رويدًا حتى يقوى ويشتد ساعِدُه في هذا العلم.
فالمهم أن يبتدئ بحفظ متن الواسطية، ثم يدرسه على موثوق، ثم يبدأ يتوسع بقراءة بعض الشروح.
وليس معنى الكلام أنه ينتهي من قراءة جميع الشروح المتعلق بتوحيد الألوهية، ثم يرجع إلى الأسماء الصفات، وإنما يتأصل في توحيد الألوهية بدراسة المتون المعتمدة على من يثق به، ويدرس أيضًا في الوقت نفسه أو بعد ذلك بحسب قدرته وما تيسَّر له ما يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات، أي: “العقيدة الواسطية“، وهكذا يتزوَّد ويزداد في العلم، ويدعو الله -عز وجل- أن يفتح عليه، ويجالس أهل العلم، ويدمن القراءة والنظر إلى أن يمن الله عليه بالعلم النافع والعمل الصالح. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يمنَّ علينا جميعًا بالعلم النافع والعمل الصالح.
ومما يُفرِح أن هناك كثيرًا من طلَّاب العلم حريصون على دراسة كُتُب التوحيد والاعتقاد، وهذا مما ينبغي أن يعتنَى به، وهو أهم المهمّات.
ومما يؤلم في المقابل أن بعض طلاب العلم يتساهلون في دراسة التوحيد، فتراهم إذا درسوا التوحيد والاعتقاد درسوها دراسة إجمالية، لكنهم إذا درسوا أصول الفقه أو مصطلح الحديث أو الفقه دَرَسوه دراسة مطوَّلة بحيث إنك ترى بعد ذلك عنده ضَعفًا يتعلق بالتوحيد، وضعفًا في فهم مسائله، وقد يُبتَلَى بعد ذلك فيتكلَّم أو يؤلِّف، فيقع في بعض الأخطاء العقدية، وقد رأيت هذا بنفسي من أقوام ما كنت أظنُّ أن يقعوا في مثل هذا، والسبب أنهم تساهلوا في دراسة التوحيد في أوَّلِ أمرهم بحجة أنه سَهْلٌ إلى غير ذلك، ثم مع الأيام صَعُب عليهم دراسته وتفهّمه، فاشتغلوا بغيره.
فأوصي إخواني أن يجتهدوا في تعلّم التوحيد والاعتقاد، فهو أَولَى ما ينبغي أن تُبذَل فيه الجهود، وأن تُعْمَر فيه الأوقات، وأن يُتعَبَّد الله فيه بطلب علم.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يمنَّ علينا جميعًا بالعلم النافع والعمل الصالح، وجزاكم الله خيرًا.