ما معنى معية الله لخلقة؟ عندي إشكال في فهم معناها؟
معناها يقال جوابًا على هذا السؤال: إنه قد جاءت أدلة في الكتاب والسنة إثبات المعية، كقوله تعالى: ﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا﴾ [المجادلة: 7] .
وفي قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل: 128].
ليس معنى المعية لغة الملاصقة، ولا الممازجة، وإنما معنى المعية لغة: مطلق المصاحبة، وكُلٌّ بحسبه، ففي بعض السياقات قد تقتضي الممازجة، وفي بعض السياقات قد تقتضي الملاصقة، وفي بعض السياقات لا تدل على الممازجة، ولا تدل على الملاصقة، فمثلًا إذا قلت: سرت والقمر، أنت على الأرض تمشي، وَالقَمرُ فوقك، تقول: سرت والقمر. في مثل هذا يصح كلامك، وتكون مصاحبًا للقمر في مسيرك، لكن هذه المصاحبة لا تقتضي الملاصقة، بل القمر في مكانه.
وكذلك إذا قال أمير الجيش للجيش أو الملك أو الرئيس: اذهبوا وأنا معكم وهو في بيته وفي بلده، ويقول لجيشه: اذهبوا وأنا معكم. أي: قوله “اذهبوا وأنا معكم” هذه المعية صحيحة لكنها لا تقتضي الملاصقة ولا الممازجة، وإنما بمعنى: أنا معكم بالنصرة والتأييد إلى غير ذلك.
إذن، مهم أن يُعْلَم أن المعية لا تقتضي الممازجة، ولا الملاصقة، وإنما تدل على مطلق المصاحبة، وكل مصاحبته بحسبه.
إذا تبين هذا، فإنه إذا قال ربنا عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل: 128] إذن هو معهم، وإذا قال: ﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا﴾ [المجادلة: 7] هو كذلك.
لكن هذا لا يقتضي الملاصقة، ولا الممازجة، بل يقال: إن الله معهم، وهو فوق خلقه مستوٍ على العرش سبحانه، إذا صح أن نتصور هذا في القمر، ففي الله من باب أولى، لكن بيَّن علماء أهل السنة أن المعية نوعان:-
النوع الأول: معية عامة.
النوع الثاني: معية خاصة.
والمعية العامة هي: التي تقتضي العلم والإحاطة، ومن ذلك آية المجادلة: ﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ ﴾ [المجادلة: 7] .
أما المعية الخاصة: فهي كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾ [النحل: 128] ، وهي التي تقتضي النصرة والتأييد.
إذن كل معية بحسب ما يقتضي السياق، هذا في كلام عامة الناس، وفي كلام الله من باب أولى؛ فإن مقتضى المعية في لغة العرب أن معناها مطلق المصاحبة، وكل معيته بحسبه على ما تقدم تقريره.
أسأل الله أن يفقهنا جميعًا في الدين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.