يقول السائل: لو تتكرم وتذكر بعض ما وقفت عليه من أخطاء عقدية لبعض المعاصرين من أهل السنة؟
يُقال جوابًا عن هذا السؤال: إن أفراد أهل السنة ليس معصومين، وإنما العصمة فيما أجمع عليه أهل السنة، وفي اعتقاد أهل السنة؛ لأنه مبني على الوحي.
ثم إن الخطأ الجزئي في باب الاعتقاد قد يكون من بعض أفراد أهل السنة؛ فإنهم ليسوا معصومين، لكنهم في ذلك مثابون، لأن من اجتهد فأخطأ فله أجر، وهذا عام للمسائل العقدية وللمسائل العملية، كما بيَّن هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، وحكاه عن السلف.
فقد أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجر، وإذا أخطأ فله أجر واحد»، وهذا عام للمسائل العقدية والعملية، والأجر الذي يثاب عليه هو على نيته كما بيَّن ذلك الإمام الشافعي، وابن عبد البر، وابن تيمية، وغيرهم من أهل العلم.
فالمقصود: أن مما أذكر الآن بعض المسائل، منها:
المسألة الأولى: إقعاد الله نبيه محمدًا على العرش، فإنه قد جاء في ذلك أثر عن مجاهد صححه الذهبي في كتابه “العرش”، فقال: هو ثابت عن مجاهد بلا شك.
وتوارد أئمة السنة على تقرير مثل هذا والاحتجاج به على أنه قول مجاهد، كما نقل طرفًا من ذلك الخلال في كتابه “السنة”، وحكى غير واحد إجماع أهل السنة على ذلك، وممن قرر ذلك الإمام أحمد وغيرهم من أهل السنة.
بل إنهم بينوا أن الذي خالف في ذلك هم الجهمية، وكلام أهل السنة كثير في هذا لمن راجع كتاب “السنة” للخلال.
المسألة الثانية: أن ما يجري الله على يد الأنبياء من الآيات وخوارق العادات، ذهب المتكلمون إلى أنها لا بد أن تكون مقرونة بالتحدي، أما أهل السنة فيرون أنها قد تكون مقرونة بالتحدي وقد لا تكون مقرونة بالتحدي.
وقد رأيت بعض أهل السنة أخطأ في هذا، ووافق المتكلمين من الأشاعرة وغيرهم حيث إنه جعلها مقرونة بالتحدي، أما أهل السنة فلا يشترطون ذلك، فقد تكون مقرونة بالتحدي، وقد لا تكون، كما بيَّن هذا شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في كتابه “النبوات”.
المسألة الثالثة: إطلاق لفظ “الجارح” على الله، رأيت بعض أهل السنة يقول في مثل هذا: يستفصل فيه، ولا ينفى مطلقًا ولا يثبت مطلقًا، والذي بيَّنه الدارمي رحمه الله تعالى في “الرد على بشر المريسي”، وبيَّن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى كما في “مجموع الفتاوى” أن معنى الجارحة أي: المخلوقة.
فإذًا تنفى عن الله مطلقًا، ولا يقال: يستفصل فيها، بل إذا قال: ليس لله جارحة هذا ينفى؛ لأن معناه ليس له يد مخلوقة، أو رجل مخلوقة وهكذا، فالجارحة بمعنى المخلوقة، فإذًا يجزم بنفيها، ولا يستفصل فيها.
المسألة الرابعة: رأيت بعض أهل السنة إذا قال: إن الله يسمع بلا خرق، أي: بلا خرق لأجل السماع، يقول في مثل هذا: لم يأتِ نفيه ولا إثباته، ومثل هذا جاء نفيه، ذلك أن الله هو الصمد سبحانه الذي لا جوف له، وقد أشار لهذا ابن تيمية رحمه الله تعالى.
لذلك يقال: يسمع بلا خرق، أي ينفى الخرق عن الله -عز وجل-.
المسألة الخامسة: رأيت بعض أهل السنة يعرِّف الاعتقاد بأنه حكم الذهن الجازم، فإن طابق الواقع فصحيح وإلا فهو خطأ.
وهذا في ظني مأخوذ من أهل الكلام؛ لأن عندهم أن الاعتقاد محصور في اليقينيات، فلذا قالوا: حكم الذهن الجازم.
أما أهل السنة فيبنون الاعتقاد على اليقينيات وعلى غلبة الظن، لذا يقبلون خبر الآحاد في باب الاعتقاد، بل يقبلون الحديث الحسن في باب الاعتقاد؛ لأنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
المسألة السادسة: رأيت بعض أهل السنة ينكر صفة السكوت لله، يقول: لم يأتِ إثباتها ولا نفيها، فلا نقول: إن الله يسكت.
وهذا خطأ مخالف لإجماع أهل السنة كما بيَّنه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى كما في “مجموع الفتاوى”.
ثم إن معتقد أهل السنة أن الكلام قديم النوع حادث الآحاد أي: يتجدد، وهذا يدل على صفة السكوت، أما حديث ما سكت عنه فهو عفو فهذا لا دلالة فيه؛ لأن المراد هنا سكت عن بيان حكمه، لا السكوت المقابل للكلام.
المسألة السابعة: رأيت بعض أهل السنة يستنكر إثبات مماسة الله لخلقه، وهذا الأمر قد قرره السلف، كما قال عبد الله بن عمرو بن العاص وابن عمر: «ما مس الله بيده إلا ثلاثة»، وفي بعض الروايات إلا أربعة، ونسبه الدارمي لأهل السنة، وقرره رحمه الله تعالى في “رده على بشر المريسي”.
وكذلك نسبه ابن تيمية في كتابه بيان تلبيس الجهمية لأهل السنة، وعليه اتفاق أهل السنة، فهم يثبتون المماسة من حيث الإطلاق، لكن لا يقال: في بعض الأفراد إن هذا بمماسة أو غير مماسة، أما الأصل فنثبت مماسة الله لخلقه.
لكن في مثل الاستواء نقول: استوى على العرش، ولا نقول: بمماسة وبغير مماسة، لأنه لم يأتِ في هذا الفرد بيان إثبات المماسة ولا نفي المماسة.
المسألة الثامنة: رأيت بعض أهل السنة يخطئ في حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم وغيره «خلق الله آدم على صورته»، فيجعل الضمير يعود إلى آدم أو إلى الضارب، والذي أجمع عليه أهل السنة أن الضمير يعود إلى الله سبحانه وتعالى.
كما بيَّن هذا ابن تيمية في بحث نفيس في كتابه “بيان تلبيس الجهمية”، وذكر أدلة عقلية ونقولات عن السلف كابن عباس وغيره، وأن الذي خالف في ذلك المتأخرون، أما كلام السلف من الصحابة والتابعين فهم على خلاف هذا، وأن الضمير يعود على الله سبحانه، أي: خلق الله آدم على صورة الله سبحانه.
وسواء صحت الروايات على صورة الرحمن أو لا تصح يكفي إجماع أهل السنة، وما ذكر ابن تيمية من أن أهل السنة على ذلك، وما ذكر من الأدلة القوية في إثبات هذا.
المسألة التاسعة، وبها أختم: رأيت بعض أهل السنة يستنكر حديث: «رأيت ربي في صورة شاب أمرد، له وفرة جعد قطط»، ويستغرب مثل هذا الحديث مع أن الحديث صححه جمع من أهل السنة كالإمام أحمد، وأبي زرعة، والطبراني، والدارمي، وجماعة من أهل السنة.
وبين ابن تيمية رحمه الله تعالى أن هذا الحديث ليس من أحاديث الصفات؛ لأنها رؤية منام، لأنه قال في الحديث: « رأيت ربي»، أي: في المنام، فإذا لم يكن من أحاديث الصفات فمثل هذا لا يستنكر، فهو رؤيا منام، ورؤية المنام ليس معناها حقيقة، بل هي أمثال تدل على شيء.
ومن المتقرر أهل السنة كما بيَّنه ابن تيمية في المجلد السادس من “مجموع الفتاوى” أن كل ما كان إيمان الرجل أكمل رأى ربه في صورة أحسن في المنام، أما رؤية الله على صورته الحقيقة، فهذا لا يمكن؛ لما أخرج مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «واعلموا أنكم لم تروا ربكم حتى تموتوا».
لكن قد يرى المسلم في المنام رؤية فيها ما يدل على أن المراد الله سبحانه وتعالى، فكل ما كان إيمانه أكمل صارت الصورة أحسن، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم وإيمان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل رأى ربه في صورة أحسن صلى الله عليه وسلم.
فإذًا هي منام، والمنامات أمثال وأشباه ورموز، وليس المراد أنه على هذه الصورة الحقيقية، إذًا هو ليس من أحاديث الصفات.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمَنا ما يَنْفَعَنَا، وأن يَنْفَعَنَا بما عَلَّمَنَا، وجزاكم الله خيرًا.