إن هناك مبادئ ربي عليها كثير من شبابنا وهي في أصلها مبادئ حسنة ، إلا أن بعضهم يضعها في غير محلها ، أو يضعها في محلها ، لكن مع التوسع غير المرضي ، وإليك بعض هذه المبادئ والجواب عليها باختصار:
1/ ( إن من كانت نيته حسنة فلا يشدد في الرد عليه )
وهذا على الإطلاق خطأ مخالف للشرع بثلاثة أدلة :
الأول : ذكر الله أن سبب ضلال ابن آدم الجهل والظلم فقال ( إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) . الظلم يدل على سوء النية والطوية بخلاف الجهل المقرون به ، فإن الجاهل حسن النية يريد الخير ، لكنه ضل من جهة العمل لجهله.
الثاني: أن الشريعة ذمت البدع كلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” وكل بدعة ضلالة ” أخرجه مسلم عن جابر ، والمبتدع ضلاله من حيث الأصل في الاتباع لا النية ، لذا خرج الدارمي وابن وضاح أن ابن مسعود قال مجيباً أناساً لما قالوا: والله أبا عبدالرحمن ما أردنا إلا الخير . قال: وكم مريد للخير لم يصبه .
الثالث: أن الأحاديث متواترة في ذم الخوارج مع كون مقاصدهم حسنة ؛ لذا كانوا مجتهدين في العبادة ظاهراً قال صلى الله عليه وسلم: ” تحقرون صلاتكم عند صلاتهم ” أخرجه الشيخان عن أبي سعيد .
2/ ( لا تردوا على هذا المخطئ فإنه لا يسلم أحد من خطأ )
وهذه كلمة مجملة ، وذلك أن الأخطاء ليست على درجة واحدة ، بل منها ما يسوغ الخلاف فيه ، فلا يشدد على المخالف بخلاف ما لا يسوغ الخلاف فيه فإنه يشدد على المخالف . ومن ههنا جاءت شدة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخوارج وشدة عمر رضي الله عنه على صبيغ بن عسل المتبع للمتشابه .
3/ ( الخلاف لا يفسد من الود قضية )
نعم هذا حق لكن فيما يسوغ الخلاف فيه ، أما ما لا يسوغ الخلاف فيه وفي أمور كليات فلا ولا كرامة ، فإن الخلاف يفسد من الود قضية . فدين الله مقدم على كل أحد ، والحب والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان.
4/ ( إياك والغيبة إذا قيلت عند الكلام في أهل البدع )
وهذا حق وتحريمها بالكتاب والسنة والإجماع ، إلا أن الكلام في أهل البدع ليحذر الناس خطأهم ليس غيبة بإجماع السلف ، بل هو من النصيحة الواجبة . فبادر لاغتنام الأجر ودع وسواس الشيطان وزخرفه . ثم هؤلاء متناقضون وذلك أن بعضهم لا يتورع في غيبة ولاة الأمور ومن لا يوافقه على مبادئه وحزبه .
5/ ( إن لفلان حسنات )
وهذه يطلقها بعضهم لرد تجريح وتنفير أهل العلم من أهل الضلالة . وهي في هذا المقام من الباطل الذي يلبس به على الناس . وذلك أن لازم هذا ألا يرد على من يستحق الرد مهما كان ؛ لأنه ما من أحد إلا وله حسنات حتى الشيطان ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الشيطان :” صدقك وهو كذوب ” وهذا اللازم باطل فبطلت الدعوى القائمة عليه . ثم هؤلاء متناقضون وذلك أن بعضهم لا يذكر حسنات ولاة أمر المسلمين ولا حسنات من يخالفهم في مبادئهم وحزبهم .
6/ ( إياك وتفريق الأمة )
وهذا حق . فإن تفريق الأمة محرم ، لكن يطلق بعضهم هذه الكلمة على دعاة الحق الذين يرجعون الناس إلى الحق لينفروا منهم ، وإلا فإن التفريق ليس مذموماً على الإطلاق . بل المذموم تفريق الناس عن الحق ، أما من فرق الناس عن الباطل إلى الحق فهو محمود ، وهو مجمع بالمعنى الشرعي . قال ابن مسعود : أنت الجماعة إن كنت على الحق ولو كنت وحدك . أخرجه اللالكائي بإسناد صحيح .