يقول السائل: متى يُنسَب الرجل لمذهب معيَّنٍ؟ هل بمجرد الموافقة في مسألة واحدة، أو التزام المذهب كاملاً؟
يقال: يُنسَب الرجل إلى مذهب معيَّنٍ، وكأن السائل – والله أعلم- يقصد المذاهب البدعية، إذا وافق المذهبَ البدعي في سبب تبديعه، فمثلًا إذا وافق الخوارج في التكفير بكبيرةٍ ولو كانت واحدة فإنه يكون خارجيًا، أما لو وافق الخوارج في مذهبهم القديم في عدم صحة الصلاة بالسراويل فمثل هذا لا يكون مبتدعًا مثلهم، لكن إذا وافقهم فيما هو سبب تبديعهم فإنه يكون مبتدعًا مثلهم.
وقد يوافق الرجلُ أهلَ البدع في بعض البدع التي عندهم، وهذه البدع قد تستوجب تبديعه، لكن لا تستوجب أن يكون من هذه الطائفة، فمثلًا لو وافق رجلٌ الأشاعرة في: أن الإرادة واحدة، وهي الإرادة الكونية، فإنه يقال: بأنه مبتدع، لكن لا يقال بأنه أشعري؛ لأنه ليس هذا هو سبب تبديع الأشاعرة، وغيرهم يوافقهم في ذلك، والجبرية كُلُّهم متفقون على أن الإرادة هي الإرادة الكونِيَّة فحسب دون الإرادة الشرعية.
ومما يُرَى في صنيع أهل السنة أنَّ مَن جالس أهل البدع فإنه يُلحَق بهم، كما قال سفيان الثوري لما دخل البصرة، سأل عن ربيع بن الصبيح، قالوا: عالم سُنَّة، قال: من جلساؤه؟ قالوا: القدري قال: هو قدري“، فألحقه بهم؛ لأنه جالسهم.
والرجل إذا جالس أقوامًا، فإنه يكون مثلهم.
والمراد في المجالسة أن يكون بطانته، وأن يكون مدخله ومخرجه، كما دل على ذلك كلام السلف كعبد الله بن المبارك والأوزاعي وكثير من السلف، وقد نقل الآثار الكثيرة في ذلك ابنُ بطة رحمه الله تعالى في كتاب “الإبانة الكبرى“، وحكى إجماع أهل السُّنَّة على ذلك.
لكن أنبّه إلى أنه ليس المراد مُطلَق المجالسة، بمعنى: قد يجتمع هو وإياه لأجل عمل أو غير ذلك، وإنما المراد هو أن يكون مدخله ومخرجه مع هذا الرجل، وأن يكون بطانةً له.