مشروعية صيام العشر من ذي الحجة


عن أم المؤمنين عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: « مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ ». وفي رواية: «لَمْ يَصُمِ الْعَشْرَ».

أخرجه مسلم رقم ( 1176 ) 2 / 833.

وترجم ابن حبان -رحمه الله-(3608) له بقوله:” ذكر الإباحة للمرء ترك صوم العشر من ذي الحجة، وإن أمن الضَعْفَ لذلك “.

قال النووي -رحمه الله- في “المجموع”(6/414): ” قال العلماء هو متأول على أنها لم تره ولا يلزم منه تركه في نفس الأمر لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يكون عندها في يوم من تسعة أيام والباقي عند باقي أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أو لعله -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم بعضه في بعض الأوقات وكله في بعضها ويتركه في بعضها لعارض سفر أو مرض أو غيرهما وبهذا يجمع بين الأحاديث “.

وقال -أيضاً- في “شرحه على صحيح مسلم”(8/71) 🙁  قال العلماء: هذا الحديث مما يُوهم كراهة صوم العشر، والمراد بالعشر هنا: الأيام التسعة من أوَّل ذي الحجة. قالوا: وهذا مما يتأول، فليس في صوم هذه التسعة كراهة، بل هي  مستحبة استحباباً شديداً، لا سيما التاسع منها، وهو يوم عرفة،  وقد سبقت الأحاديث في فضله، وثبت في صحيح البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه، يعنى العشر الأوائل من ذي الحجة”. فيتأول قولها: “لم يصم العشر” أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما، أو أنها لم تره صائماً فيه، ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر، ويدل على هذا التأويل حديث هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت:” كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر الاثنين من الشهر والخميس” ورواه أبو داود وهذا لفظه، وأحمد والنسائي وفي روايتهما:” وخميسين” والله أعلم ).

وقال ابن القيم -رحمه الله- في “زاد المعاد”(2/65): ” وأما صيام عشر ذي الحجة، فقد اختلف فيه؛ فقالت عائشة: ما رأيته صائما في العشر قط. ذكره مسلم ، وقالت حفصة: أربع لم يكن يدعهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صيام يوم عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر وركعتا الفجر. ذكره الإمام أحمد -رحمه الله-، وذكر الإمام أحمد عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه كان يصوم تسع ذي الحجة ويصوم عاشوراء وثلاثة أيام من الشهر أو الأثنين من الشهر والخميس. وفي لفظ :الخميسين. والمثبت مقدم على النافي إن صح “.

وقال ابن رجب -رحمه الله- في “اللطائف”(ص262):

“وقد اختلف جواب الإمام أحمد عن هذا الحديث، فأجاب مرة بأنه قد روى خلافه، وذكر حديث حفصة، وأشار إلى أنه اختلف في إسناد حديث عائشة، فأسنده الأعمش ورواه منصور عن إبراهيم مرسلا ، وكذلك أجاب غيره من العلماء بأنه إذا اختلفت عائشة وحفصة في النفي والإثبات أخذ بقول المثبت؛ لأن معه علما خفي على النافي، وأجاب أحمد مرة أخرى بأن عائشة أرادت أنه لم يصم العشر كاملا، يعني وحفصة أرادت انه كان يصوم غالبه، فينبغي أن يصام بعضه ويفطر بعضه، وهذا الجمع يصح في رواية من روى: ما رأيته صائما العشر. وأما من روى: ما رأيته صائما في العشر. فيبعد أو يتعذر هذا الجمع فيه..”.

قلت : وأما حديث حفصة -رضي الله عنها-، وحديث هنيدة بن خالد، فهي معلَّة لا يصح شيء منها، ولتفصيل هذا موطن آخر،  والله الموفق.

✍️ كتبه/ د. خالد بن قاسم الردادي رحمه الله تعالى


شارك المحتوى:
1