بسم الله الرحمن الرحيم
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فإن لكل باب مفتاحًا، ومن لم يأت بالمفتاح لم يُفتح له، وهكذا للخير والشر مفاتيح، فيجب معرفة مفاتيح الخير للمسابقة إليه، ومفاتيح الشر للحذر منه والبعد عنه، وقد ذكر الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- طرفًا مفيدًا من هذه المفاتيح، فتدبره فإنه مفيد للغاية، واحرص على ما ينفعك،
روى الإمام مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان».
قال ابن القيم في كتابه [حادي الأرواح (1 / 68)]: “وقد جعل الله سبحانه لكل مطلوب مفتاحًا يفتح به فجعل مفتاح الصلاة الطهور كما قال -صلى الله عليه وسلم-:«مفتاح الصلاة: الطهور»، ومفتاح الحج: الإحرام، ومفتاح البر: الصدق، ومفتاح الجنة: التوحيد، ومفتاح العلم: حسن السؤال وحسن الإصغاء، ومفتاح النصر والظفر: الصبر، ومفتاح المزيد: الشكر، ومفتاح الولاية والمحبة: الذكر، ومفتاح الفلاح: التقوى، ومفتاح التوفيق: الرغبة والرهبة، ومفتاح الإجابة: الدعاء، ومفتاح الرغبة في الآخرة: الزهد في الدنيا، ومفتاح الإيمان: التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه، ومفتاح الدخول على الله: إسلام القلب وسلامته له والإخلاص له في الحب والبغض والفعل والترك، ومفتاح حياة القلب: تدبر القرآن والتضرع بالأسحار وترك الذنوب، ومفتاح حصول الرحمة: الإحسان في عبادة الخالق والسعي في نفع عبيده، ومفتاح الرزق: السعي مع الاستغفار والتقوى، ومفتاح العز: طاعة الله ورسوله، ومفتاح الاستعداد للآخرة: قصر الأمل، ومفتاح كل خير: الرغبة في الله والدار الآخرة، ومفتاح كل شر: حب الدنيا وطول الأمل، وهذا باب عظيم من أنفع أبواب العلم وهو معرفة مفاتيح الخير والشر لا يوفق لمعرفته ومراعاته إلا من عظم حظه وتوفيقه فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل خير وشر مفتاحًا وبابًا يدخل منه إليه، كما جعل الشرك والكبر والإعراض عما بعث الله به رسوله والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحًا للنار، وكما جعل الخمر: مفتاح كل إثم، وجعل الغنى: مفتاح الزنا، وجعل إطلاق النظر في الصور: مفتاح الطلب والعشق، وجعل الكسل والراحة: مفتاح الخيبة والحرمان، وجعل المعاصي: مفتاح الكفر، وجعل الكذب: مفتاح النفاق، وجعل الشح والحرص: مفتاح البخل وقطيعة الرحم وأخذ المال من غير حله، وجعل الإعراض عما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-: مفتاح كل بدعة وضلالة.
وهذه الأمور لا يصدق بها إلا من له بصيرة صحيحة وعقل يعرف به ما في نفسه وما في الوجود من الخير والشر، فينبغي للعبد أن يعتني كل الاعتناء بمعرفة المفاتيح، وما جعلت مفاتيح له، والله من وراء توفيقه وعدله، له الملك وله الحمد وله النعمة والفضل، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون”.
من تدبر هذا الكلام العظيم من ابن القيم-رحمه الله- وعمل به فإن حياته –بتوفيق الله- تتغير للأصلح، ونفسه تزكو.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعلنا من المسابقين على أبواب الخير ومفاتيحه، ومن الحذرين من أبواب الشر ومفاتيحه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د. عبد العزيز بن ريس الريس
المشرف على موقع الإسلام العتيق
29 / 5 / 1442هـ