من أسباب الشفاء


الخطبة الأولى:

الحمدُ لله ربِّ العالمينَ وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلتَنظُر نَفسٌ ما قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ﴾

أما بعدُ، فإنَّ اللهَ ﷻ يبتلي عبادَه بما يشاءُ من الأمراضِ لِيظهرَ صدقُ إيمانِهم ولِيرفعَ درجاتِهم، ويُكفِّرَ سيئاتِهم، قال اللهُ تعالى: ﴿وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأَموالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصّابِرينَ﴾

وقال النبيُّ ﷺ: “مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه”. متفقٌ عَلَيهِ.

ومن فضل اللهِ ورحمتِه أن جعل أسبابًا يرفعُ اللهُ بها البلاءَ يُشرعُ لكل مُبتلًى العملُ بها؛ فمِن هذه الأسبابِ الإكثارُ من الدعاءِ خاصةً في أوقاتِ الإجابةِ كالثلثِ الآخِرِ من الليلِ، وما بين الأذانِ والإقامةِ قال تعالى ﴿وَقالَ رَبُّكُمُ ادعوني أَستَجِب لَكُم﴾ وقال تعالى: ﴿أَمَّن يُجيبُ المُضطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكشِفُ السّوءَ﴾

ومن أسبابِ رفعِ البلاءِ الاستغفارُ؛ فإنه ما يُصيبُ العبدَ من شرٍ إلا بسبب ذنوبِه، قال تعالى: ﴿ ما أَصابَكَ مِن حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفسِكَ ﴾ والاستغفارُ يمحو الذنوبَ التي هي سببُ البلاءِ.

فأكثروا عبادَ اللهِ مِن الدعاءِ والاستغفارِ فإنَّ اللهَ لا يخيبُ داعياً مُستغفِرًا.

واعلموا – رحمكم الله – أنَّ من أسباب الشفاءِ الرقيةَ الشرعيةَ فقد رقى النبيُّ ﷺ نفسَه ورقَى غيرَه، ورقاه جبريلُ عليه السلام.

فعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ

ﷺ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ. رواه مسلم.

وقد شكا رجلٌ إلى النبيِّ ﷺ وجعًا يجدُه في جسدِه فقال له رسولُ الله ﷺ : «ضعْ يدَك على الذي تألَّم من جسدِك وقل: باسم اللهِ ثلاثا، وقلْ سبعَ مرَّاتٍ: أعوذُ بالله وقدرته من شر ما أجد وأُحاذر» رواه مسلم.

فاقرأ أيُّها المُسلمُ المعوذاتِ والفاتحةَ وآيةَ الكرسيِّ، أو ما جاء عن رسولِ اللهِ ﷺ وانفُثْ على نفسِك تجدِ الشفاءَ بإذن اللهِ.

عبادَ اللهِ، إنَّ الصدقةَ على الفقراءِ من أعظمِ أسبابِ رفعِ البلاءِ، فإنَّ للصدقةِ أثرًا عجيبًا في الشفاءِ ودَفْعِ أنواعِ الشُّرورِ، فقد ورد في الحديث عن النبيِّ ﷺ أنَّ يحيى عليه السلامُ أوصى بني إسرائيلَ فقال: “وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم” فدل الحديثُ على أنَّ الصدقةَ تقي من الشرِّ.

وعن أنس رضي الله عنه قال: باكِروا بالصدقةِ، فإنَّ البلاءَ لا يتخطَّى الصدقةَ.

قال أحدُ العلماءِ وهو ابنُ القَيِّمِ رحمه اللُه تعالى:

“إنّ للصدقة تأثيراً عجيباً في دفعِ البلاءِ، ولو كانت من فاجرٍ أوظالمٍ بل من كافرٍ، فإنَّ اللهَ يدفعُ بها عنه أنواعاً من البلاء، وهذا أمرٌ معلومٌ عند الناسِ خاصَّتِهم وعامَّتِهم، وأهلُ الأرضِ كُلُّهم مُقِرُّونَ به لأنَّهم جرَّبوه”انتهى كلامه.

أقول ما تسمعونَ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كلِّ ذنبٍ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعدُ، فإنَّ للشفاء أسبابًا حسية يشرعُ فعلُها لقول النبيِّ ﷺ: “ما أنزلَ اللهُ داءً إلَّا أنزلَ له شِفاءً”. متفق عليه. وقال ﷺ “لكُلِّ داءٍ دواءٌ، فإذا أُصيبَ دواءُ الدَّاءِ، بَرِئَ بإذن ِاللهِ عزَّ وجلَّ”. رواه مسلم.

فعلى المسلمِ أنْ يأخُذَ بهذه الأسبابِ فيتداوى عند الأطباءِ الموثوقين امتثالًا للأحاديثِ السابقةِ عن النَّبيِّ ﷺ.

والتداوي داخلٌ في التوكل على الله ﷻ لأنَّ التوكلَ هو اعتمادُ القلبِ على اللهِ مع فعلِ الأسبابِ المباحةِ.

ومن الخَوْفُ الطَّبِيعِيِّ، الخَوْفِ مِنْ العَدُوِّ والسَّبُعِ، فَهذا لا يُذَّمُّ عَلَيْهِ الإِنْسانُ، لِأَنَّه يَحْصُلُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، قال تَعالَى عَنْ عَبْدِهِ مُوسى عليهِ السلامُ: (فَخَرَجَ مِنْها خَائِفًا يَتَرَقَّبُ). وأَخْبَرَ اللهُ تعالى أَنَّ مُوسى عليه السلامُ قال لِفِرْعَونَ: (فَفَرَرْتُ مَنْكُم لَمَّا خِفْتُكُم). وهكذا الخَوْفُ مِنْ الفَقْرِ، فإنَّه خَوْفٌ طَبيعِي، بِدَلِيلِ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتعاذَ مِنْه.

وهكذا الخَوْفُ مِن المَرَضِ، فإنَّه خَوْفٌ طَبيعِي، لأَنَّ النبيَّ صلى اللهُ عَليه وسلم، اسْتعاذَ مِنْ سَيِّئِ الأسْقامِ. وبَذْلُ أسبابِ السلامَةِ والوِقايَةِ مِن المَرَضِ لا يُعَدُّ مِن الخَوْفِ المَذْمُومِ، بَلْ هُو مَطْلُوبٌ، وما تَسْمَعَونَ به مِن التَوْجيهاتِ عَبَرَ الْحَملةَ السَّنَويّةِ للوِقايةِ الانفلَّوَنَزَا الْمَوْسِمِيّّةِ، التي تَهدفُ إِلى بيَانِ أَهمِّيَّةِ أَخذِ اللِّقَاح، للِوِقَايةِ مِن الإِصَابَةِ، وَخاصةً الفِئَةَ الأَشَدَّ عُرْضةً للخَطَرِ، داخِلٌ في ذلك، إذا كانَ العبدُ مُتَوَكّلاً على اللهِ، مُوقِناً بِأنَّ مَا أَصَابَه لمْ يكنْ لِيُخْطِئَهُ، ومَا أَخطأَهُ لمْ يكن ِيُصِيبَهُ.حماني اللهُ وإياكم


شارك المحتوى:
0