يقول السائل: حديث: «من ترك صلاة العصر متعمدًا فقد حبط عمله» رواه البخاري، ألا يدل على كفر تارك الصلاة حتى يخرج وقتها الضروري؟
يُقال جوابًا عن هذا السؤال: إن هذا الحديث أخرجه البخاري من حديث بريدة، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك صلاة العصر قد حبط عمله»، وليس المراد بهذا الحديث: – والله أعلم- حبوط العمل كله، من حيث إنه يكون كافرًا، ويكفر بعد إسلامه.
كما أشار لذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في بعض المواضع، وكذلك بيَّن ذلك بيانًا أوضح ابن القيم رحمه الله تعالى في رسالة “حكم تارك الصلاة”، وفي كتاب “زاد المعاد” وغيره من كتبه رحمه الله تعالى.
وبيَّن أن المراد: حبوط العمل اليومي، لا حبوط العمل كله، ثم بيَّن أن هذا ليس خاصًا بصلاة العصر، وإنما ذكرت صلاة العصر لأهميتها، وأنها هي الصلاة الوسطى، ومعنى حبوط العمل اليومي: هو أن من السيئات ما يحبط الحسنات، ووجه إحباطها أنها تذهب بالموازنة، بناء على أنه فعل سيئات تعادل كذا وكذا، ففي مقابلها تذهب حسنات، هذا ملخص كلام ابن القيم رحمه الله تعالى.
أما القول بأن ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها هو كفر، فهذا القول في ظني -والله أعلم- أنه قول مرجوح مخالف لقول جماهير أهل العلم، ويدل على ذلك أدلة كثيرة، وفتاوى لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإنه لما سئل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم:59]، قيل لسعد: أكانوا تاركين لها؟ قال لو تركوها لكفروا، وإنما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها، إلى غير ذلك من الآثار والأدلة، وقد صحح هذا الأثر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى.
ومن أراد أن يخص هذا بتأخير صلاة الظهر إلى نهاية وقت العصر، أو إلى وقت العصر بحيث إنه لا يخرج وقت صلاتين يمكن جمعهما إلى وقت لا يصح جمعها معه، فهذا يحتاج إلى دليل، ولا دليل عليه.
والكلام على هذا يطول، لكن ألخصه بأن ترك الصلاة كفر، ولكن لا يقال: بأن من ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها فإنه يكون كافرًا، وليس في هذا الحديث دلالة؛ لما تقدمت الإشارة إليه.