الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن منهج السلف الصالح وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان لا يكون إلا حقاً ، ويجب على كل أحد قبوله والسير إلى الله على طريقتهم ، قال الإمام ابن تيمية- رحمه الله- كما في مجموع الفتاوى ( 4/49): لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه ، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقاً ا.هـ.
والأدلة على هذا من الكتاب والسنة الصحيحة كثيرة، إليك دليلاً واحداً طلباً للاختصار المناسب لهذا المقام وهو قوله تعالى (وَمَنْ يُشَاقًقً الرَّسُولَ مًنْ بَعْدً مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبًعْ غَيْرَ سَبًيلً الْمُؤْمًنًينَ نُوَلًّهً مَا تَوَلَّى وَنُصْلًهً جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصًيراً)
وجه الدلالة: رتب الله سبحانه الوعيد على مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم، واتباع غير سبيل المؤمنين، فلو لم تكن مخالفة سبيل المؤمنين سبباً من أسباب الوعيد، لكان ذكره لغواً تعالى الله وتقدس» وأول المؤمنين دخولاً في هذه الآية هم الصحابة الكرام، فالمأثور عنهم هو الحق الذي يجب اتباعه، فلا يصح لأحد من التابعين مخالفته ومن وافقهم من التابعين فهو سائر على سبيل المؤمنين الممتدح وهكذا .
أما إذا لم ينقل عن الصحابة الكرام شيء، ونقل عن التابعين الأخيار، فإن السبيل سبيلهم» لأن الله بحكمته وعدله لم يكن ليخفي الحق، ويظهر الباطل وقد قال نبيه صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين» أخرجه مسلم عن ثوبان ونحوه في الصحيحين عن معاوية والمغيرة بن شعبة، وقال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» متفق عليه من حديث عائشة واللفظ للبخاري، فمن خالف وأحدث فهماً أو اتبع فهماً محدثاً خلاف ما عليه الأوائل من السلف الصالح في الفهم، فما فهم أو اتبع مردود . وإذا تدبرت علمت أن كل دليل على حجية الإجماع، دليل على حجية فهم السلف» فإنهم إذا فهموا فهماً من غير مخالف منهم، فهو إجماع منهم على هذا الفهم .
إذا تبين هذا وتقرر فقد جعل سلفنا الكرام أمارة عظيمة ينكشف بها أهل الباطل، وإن تستروا وتقنعوا بأقنعة أهل السنة خديعة لأهل الحق أهل السنة، من هذه الأمارات معرفة أهل الباطل وأهل البدعة بأخدانهم وألفتهم وجلسائهم وبطانتهم، قال أبو داود: قلت لأحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهل السنة مع رجل من أهل البدع، أترك كلامه ؟ قال :لا، أو تُعْلًمه أن الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه وإلا فألحقه به ، قال ابن مسعود: المرء بخدنه ا.هـ «كما في طبقات الحنابلة (1/ 160) ومناقب أحمد لابن الجوزي ص250»
وقال الأوزاعي: من ستر عنا بدعته لم تخف علينا ألفته.
وقال ابن المبارك: من خفيت علينا بدعته لم تخف علينا ألفته.ذكره في (الإبانة الصغرى ص156).
وقال معاذ بن معاذ: قلت ليحيى بن سعيد: يا أبا سعيد الرجل وإن كتم رأيه لم يخف ذاك في ابنه ولا صديقه ولا في جليسه.
وقال الغلابي: كان يقال: يتكاتم أهل الأهواء كل شيء إلا التآلف والصحبة.
وقال ابن عون: من يجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع.
ولما قدم سفيان الثوري البصرة ، جعل ينظر إلى أمر الربيع – يعني ابن صبيح – وقدره عن الناس ، سأل أي شيء مذهبه ؟ قالوا: ما مذهبه إلا السنة . قال: من بطانته ؟ قالوا: أهل القدر. قال: هو قدري ا.هـ.
ذكر هذه الآثار ابن بطة في الإبانة الكبرى (2/453)، ثم قال تعليقاً على كلام الإمام سفيان الثوري: لقد نطق بالحكمة فصدق وقال بعلم، فوافق الكتاب والسنة، وما توجبه الحكمة ويدركه العيان ويعرفه أهل البصيرة والبيان، قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذًينَ آمَنُوا لا تَتَّخًذُوا بًطَانَةً مًنْ دُونًكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنًتُّمْ).
فيا لله كم لهذه الأمارة من فائدة في كشف أهل البدع المتزينين عند أهل السنة بالسنة فحظوا بتزكياتهم تارة، وأفسدوا الصف من الداخل تارة أخرى سعياً في الوشاية ونفخاً في الخلاف بين أهل السنة .
فيا أهل السنة السلفيين شيباً وشباباً رجالاً ونساءً لا تغيبنّ هذه الأمارة عنكم واجعلوها كشافاً لتمييز الخبيث من الطيب، إلا أنني أنبه إلى أن هناك فرقاً بين من يجالس أهل البدع لعمل وظيفي أو لمصلحة دينية أو دنيوية كتجارة من غير جعلهم بطانة وخدناً وأن يكونوا مخرجه ومدخله .
ثم في الختام ألفت نظر القارئ الكريم أنه إذا كان من جعل أهل البدع بطانة للسني تخرجه من السنة إلى البدعة فكيف بمن لا يعادي أهل البدع بل ويثني عليهم على رؤوس الأشهاد !!
أسأل الله أن يكثر أهل السنة ويبارك فيهم، ويرفع رايتهم ، ويجمع شملهم على الهدى ، ويقمع راية أهل الكفر والبدع .
تاريخ النشر: الاثنين 23/10/2006
جريدة الوطن الكويتية