نحن مقبلون على عيد الكريسماس، وعيد رأس السنة، وبعض المسلمين يحتفلون به، فما حكم هذا الاحتفال؟
يُقال جوابًا عن هذا السؤال: إن الحُكم على الشيء فرع عن تصوره، ينبغي أن يعرف من أراد الكلام في مثل هذه الأعياد، أن يُعرف ما هذه الأعياد؟ ومن الذي يحتفل بها؟
هذه الأعياد ومنها عيد الكريسماس، عيد يحتفل به النصارى في اليوم الخامس عشرين من شهر (12) أي ديسمبر، يزعمون فيه كذبًا أن عيسى عليه السلام وُلِد في هذا اليوم، ومنهم من يعبر بقوله: “إن الرب”، أو “أن الإله”، أو “ابن الرب” – أعوذ بالله – ولد في هذا اليوم، فلذلك هم يعظّمون هذا اليوم تعظيمًا دينيًا لزعمهم أن عيسى عليه السلام، والذي يجعلونه إلهً أو ابن الرب أنه ولد في هذا اليوم.
إذا عرف أن احتفال النصارى بهذا اليوم احتفالٌ ديني؛ فإن هذا الاحتفال لا يجوز، وهو مُحرَّم في الشريعة، فلا يجوز لمسلمٍ أن يحتفل بهذا اليوم، أو أن يشارك الكفار في الاحتفال بهذا اليوم بأي صورة من صور المشاركة.
ومما يدل على حرمة احتفال المسلمين أو مشاركة الكافرين بالاحتفال في هذا اليوم أمورٌ، منها:
الأمر الأول: أن المناسبة مناسبة كفرية، كما تقدم، فهم يزعمون كَذبًا أن عيسى عليه السلام وُلد في هذا اليوم، فهم يقولون: إن الإله، أو: ابن الرب ولد في هذا اليوم، فلذلك فهي مناسبة كفرية، فإذا كان لا يجوز في الشريعة أن يهنئ المُسلم المسلمَ على فعل معصية، ولا يسن أن يهنئ مسلم مسلمًا على شرب الخمر، أو على الزنا، أو على قتل مسلم، فإذا كان هذا لا يجوز في عموم المعاصي فهو أولى ألا يجوز في مناسبة كُفرية، يَزعم فيها الكفار أن ابن الرب – والعياذ بالله-، أو الإله ولد في هذا اليوم.
الأمر الثاني: أنه لو لم يكن هذا العيد كفريًا – وهو قد تقدم أنه كفري- لكن جدلًا لو لم يكن كفريًا فإنه بمجرد احتفال الكفار بِه يَمنعنا شرعًا أن نحتفل به لمُقتضى القيام بعقيدة الولاء والبراء؛ فإن مقتضى القيام بعقيدة الولاء والبراء أن نعادي الكفار، وألا نحتفل بأعيادهم، ولا نشاركهم فيما يفرحهم؛ لذا قال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ [الفرقان: ٧٢] قال مجاهدٌ وابن سيرين وغيرهم من التابعين: أي: لا يشهدون، ولا يحضرون أعيادهم، ومنهم من عمّم، ومنهم من مثّل ببعض الأعياد الكفرية.
فلذا؛ نحن مأمورون ألا نحضر أعيادهم، وألا نشهدها، وألا نشاركهم فيها؛ فإن من أعظم العقائد عقيدة الولاء والبراء، قال الإمام حمد بن عتيق – رحمه الله تعالى- أكثر ما تكلم القرآن بعد أن تكلم عن التوحيد وضده، تكلم عن عقيدة الولاء والبراء، فيجب علينا أن نعادى الكفار لأنهم كفار، وأن نبغضهم لأنهم كفار، ونُحب المؤمنين لأنهم مؤمنون، قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ﴾ [الممتحنة: ١] أي: لا توالوهم ولا تحبوهم.
أسأل الله أن يجعلني وإياكم من هؤلاء الذين يُحبون في الله، ويُبغضون في الله، ويُبغضون أقرب الناس إليهم إذا كانوا على غير دين الإسلام، فلابد أن نقوم بهذه العقيدة المباركة، وقد وضَّحها النبي ﷺ، فيما أخرج مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: ((لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام)) حتى السلام لا يُبتدأ به الكافر؛ لأنه كافر.
وقال عمر فيما روى البيهقي: ((والله لا أُعزّهم وقد أذلهم الله، ولا أكرمهم وقد أهانهم الله، ولا أُقرّبهم وقد أبعدهم الله)).
فكيف إذًا بمن يشترك في أعيادهم؟ ويهنئهم بها؟! إلى غير ذلك من محرمات، إلى غير ذلك والأفعال التي فيها نقصٌ ومخالفة لعقيدة الولاء والبراء.
ويجب أن نكون في هذه العقيدة وسطًا، لا نكون كالتكفيريين الذين كفّروا المسلمين بأمثال هذه الأمور، ولا في المقابل نكون كالمفسدين للدين باسم الدين من بعض المنتسبين للدين الذين سهّلوا، وأفسدوا الدين باسم الدين، أو كالليبراليين والعلمانيين المجرمين الذين ضيّعوا هذه العقيدة التي دل عليها كتاب الله بوضوح، وسنة النبي ﷺ كذلك وآثار الصحابة والتابعين رضي الله عنهم وأرضاهم.
فيجب أن نحب المؤمن لأنه مؤمن، وأن نبغض الكافر لأنه كافر، وأن نفعل ما يترتب على البغض من عدم إعزازٍ وتقديرٍ إلى غير ذلك.
الأمر الثالث: أن أعياد المسلمين التي لم يأتِ بها الدليل الشرعي كعيد الفطر وعيد الأضحى، هذه الأعياد جاء بها الدليل الشرعي وما عداها من الأعياد التي ليس عليها دليل شرعي، هي محرمة، وهي أعياد المسلمين، فيكف إذًا بأعياد الكافرين؟! لأنه لا يوجد في الشريعة إلا عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى، أخرج النسائي وأبو داود من حديث أنس: أن النبي صلى الله عليم وسلم قدم المدينة، فوجدهم يحتفلون بيومين، يلعبون فيهما، فوجدهم يحتفلون بأعيادٍ، يلعبون فيهما، ففي هذه اليومين لاحظوا أنهم يلعبون، فقال: ((قد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما، عيد الفطر، وعيد الأضحى))، والحديث صححه الحافظ ابن حجر وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم من أهل العلم.
وهو يدل على أنه لا يجوز للمسلمين إلا الأعياد التي أجازتها الشريعة، وما عدا ذلك من الأعياد فهي محرمة حتى ولو كانت للمسلمين، فإذًا هي من الكافرين من باب أولى.
الأمر الرابع: أنه لو قدر أنه يصح الاحتفال بمولد عيسى عليه السلام، لو قدر هذا جدلًا؛ فإنه لا يسلَّم بأن عيسى عليه السلام ولد في اليوم الخامس والعشرين من ديسمبر، الخامس والعشرين من شهر 12 للسنة الميلادية، وذلك أن القرآن واضحٌ في بيان إنه ولد في وقت قد نضجت فيه التمر، والتمر لا ينضج إلا عند شدة الحر، قال سبحانه: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ [مريم: ٢٥] فهذا لا يكون إلا في وقت الحر، والوقت الذي يدعونه عيدًا هو وقت اشتداد بردٍ.
وفي الأناجيل نفسها ما يدل على أن العيد في وقت حرّ لا في وقت بردٍ، فهذا يدل على أن هذا الزمن كذبٌ وخطأ؛ وأن عيسى عليه السلام لم يولد في هذا الزمن.
ومما يؤسف ويتحسر له المؤمن أن يرى أناسا من المسلمين يشاركون الكفار في أعيادهم، إما بأبدانهم، أو بأن يزخرفوا ويزينوا بيوتهم بما اعتاد به المحتفلون بهذا العيد، كأن يطبعوا صورة ذاك الرجل الكبير المسن الذي على محياه الابتسامة الذي أصبح مؤخرًا علامة على الاحتفال بهذا العيد، أو أن يرسل إلى الكفار تهنئة بأعيادهم، وقد ترى بعض المسلمين لا يبتدأ الكفار بالتهنئة، لكن الكافر إذا أرسل له تهنئة، ردَّ عليه، وهذا كله من الخطأ.
يجب على المسلم أن يعتز بدينه، وأن يعلم أنه خُلِق لله، ولعبادته، وليعلم أن الموت قريب، وإنه يهجم بغتةً ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٥] وقال سبحانه: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [الرحمن: ٢٦].
إذًا يجب علينا أن نتقى الله، وأن نعلم أن الأجل قريبٌ، وليس له وقت محددٌ، ولا أعزّ من دين الله؛ فإن دين الله أعز علينا من كل شيء، والله لو أن رجلًا قتل أباك أو سبه وأهانه، بل لو لم يقتله لكن سبه وأهانه، والله لتبغضنه ولتحاول إذلالهُ وإقصائهُ، فكيف والأمر تعلق بدين الله سبحانه وتعالى؟!
فالله الله أيُها المسلمون أن نغار على دين الله.
وأُنبِّه في ختام الجواب عن عيد الكريسماس أن حضور أعياد الكفار محرَّمٌ بإجماع أهل العلم، حكى الإجماع الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – في كتابه “أحكام أهل الذمة”.
إذًا ليست المسأله مسألة اجتهادية، يصح لأحد أن يجتهد، وأن يخالفها، بل هى مسألة إجماعية، من خالف فيها فهو مخطئٌ قطعًا، ولا يصح أن يتابع في خطئه، فقد أبتلينا في هذه الأزمان بدعاة باطل وإفسادٍ للدين، وللأسف باسم الدين!!!
وهذا الذي حُذِّرنا منه في الشريعة، وحَذرنا منه سلف هذه الأمة، روي ابن أبي حاتم في مقدمة كتاب “الجرح والتعديل” عن سفيان الثوري الإمام المعروف، وهو من أئمة السلف السابقين، قال: ((كان يقال: اتقوا فتنة العابد الجاهل، والعالم الفاجر، فإنهما فتنة لكل مفتون)).
فيجب أن نَحذر علماء الضلالة الذين حذرنا منهم النبي ﷺ في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في الصحيحين قال: ((فسئلوا، فأفتوا بغيرعلمٍ، فضلوا، وأضلوا)). والعياذ بالله.
فقد خرج جمعٌ من علماء الضلالة، ولبَّسوا على الناس دينهم، ومن أولئك يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فأخرج فتوى بجواز المشاركة والتهنئة بهذه الأعياد، وهذه الفتوى كذبٌ، وفتوى ضلالةٍ، لا يجوز متابعته فيها، فإن المسألة محسومة عليها إجماع أهل علم كما تقدم، فلا يلتفت لعلماء الضلالة هؤلاء.
الله الله! بالدين يا إخوان، الله الله! بالدين أيها المسلمون، فكونوا حريصون على دينكم أحرص من دُنياكم، والله لو أراد أحدنا أن يشترى سيارةً بل لو أراد أن يشترى هاتف نقّالٍ لسأل فلانًا وفلانًا من أهل المعرفة، واستشارهم، فكيف والأمر يتعلق بالدين؟! فالدين لا يؤخذ من كل أحدٍ، روي الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن الإمام محمد بن سيرين، إنه قال: ((إن هذا العلم دينٌ، فانظرواعمن تأخذون دينكم)).
هذا الجواب فيما يتعلق بعيد الكريسماس.
أما ما يتعلق بعيد رأس السنة، فيستفاد مما تقدم أنه محرَّمٌ لأمورٍ، منها:
أنه عيد، والأعياد محرمة في الشريعة.
ومنها: أنه عيد الكفار، فيجب علينا أن نعاديهم، وأن نبغضهم إلى أخر ما تقدم.
ومنها: أننا مأمورون أن نَتمايز عن الكفار، وأن نُخالفهم، وألا نتشبه بهم كما أخرج أحمد وأبو داود من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب أن النبي ﷺ قال: ((من تشبَّه بقومٍ فهو منهم)).
فالمفترض علينا أن نعتز بالتاريخ الإسلامي الذي اشتهر به المسلمون، وأرَّخَه الفاروق أبو حفص عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، وألا نؤرخ بتاريخ الكفار إلا لحاجة.
أما ما بني على ذلك من الاحتفال بأعيادهم فهو أولى، وأولى، ألا نحتفل به، لأنها أعياد محرمة كما تقدم ذكره.
أسأل الله أن يهديني وإياكم والمسلمين أجمعين لما يحب ويرضى، وأن يحيينا جميعًا على التوحيد والسنة، وأن نموت على ذلك، وأن نلقى الله راضيًا عنا، وجزاكم الله خيرا.