يقول السائل: نذرت منذ زمن قبل أن أعرف حكم كراهية النذر صوم شهرين، وقد حقَّق الله لي ما نذرت من أجله الصيام، رحمة منه وفضلًا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
واستفساري هو أنني قد سمعت أنه لا يجب عَلَيَّ الصيام إنْ كنت غير قادرة على الصيام، وأن حكمه يصبح مثل حكم كفَّارة اليمين، فهل هذا صحيح؟ بارك الله فيكم.
يقال جوابًا عن هذا السؤال: إن من نذر نذرًا لا يستطيعه، فإن كفَّارته كفَّارة يمين لدليلين:
الدليل الأول: ما أخرجه مسلم من حديث عقبة بن عامر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:«كفارة النذر ككفَّارة اليمين».
فعموم هذا الحديث يقتضي أن كُلَّ ما نُذِر ولم يُفعَل، فإن كفارته كفارة يمين.
والدليل الآخر: ما ثبت عن ابن عباس عند ابن أبي شيبة أنه قال: «النذور أربعة، من نذر نذرًا لم يسمِّيه فكفارته كفَّارة يمين، ومن نذر نذرًا في معصيةٍ فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا فيما لا يطيق فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا فيما يطيق فليوفِ بنذره».
فدل هذا على أن من نذر نذرًا لا يطيقه فإن كفارته كفارة يمين.
وأنبِّه إلى أمرٍ هو: أن كثيرًا من الناس يتساهلون في أمر النذر ابتداءً، ثم إذا نذروا أخذوا يبحثون عن الأعذار لئلا يوفوا بنذرهم، وكثيرًا ما يتحجّجون بأنهم لا يستطيعون الإيفاء بهذا النذر.
فينبغي أن يُعلَم أنَّ المشقة التي تُسقِط التكليف هي المشقة التي يترتَّب عليها مرضٌ، وأَلَمٌ، وتأخيرٌ للبُرءِ ونحو ذلك، بخلاف المشقة التي تترتَّب عليها تَعبٌ، أو جَهْدٌ؛ فإن هذا ليس عذرًا.
قد بيَّن هذا الإمام ابن القيم –رحمه الله تعالى- في كتابه، وبيَّن أن المشقة نوعان، ففي قوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وفي قوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، هذه في المشقة التي ترجع إلى المرض والألم وتأخير البُرْءِ، ونحو ذلك، لا المشقة بمعنى الجَهْد والتعب.
وإن صيام شهرين متتابعين يستطيعه أكثر المسلمين، لذا جعلته الشريعة كفَّارة في قتل الخطأ وكفارة في الظِّهار، وكفارة في وقوع الرجل على امرأته في نهار رمضان وهو صائم، فدل هذا أنه يُستَطاع، لكن كثيرون يتحجَّجون بعدم الاستطاعة؛ لأن فيه مشقة عليهم، وهذا ليس عذرًا.