- نصيحة الشيخ صالح السحيمي للإخوة في تونس
الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله مِن شُرور أنفسِنا، ومِن سيِّئات أعمالِنا، مَن يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومَن يضللْ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعدُ:
إخواني وأحبَّتي في الله في تونس الشَّقيقة، أيُّها الإخوة طلبة العلم،
أيها المسلمون:
مناسبة طيِّبة أن نتحدَّث مع إخواننا بكلمةٍ توجيهيَّة، أسأل الله أن ينفعني الله وإيَّاكم بها، وأن يثقِّل بها موازينَنا، وأن يجعلنا فيها من المُخلِصين المُصيبين في القول والعمل.
أيها الإخوةُ في الله:
أحمدُ الله -تبارَك وتَعالى- إليكم على ما منَّ به مِن نعمة هذا اللقاء عبر هذه الوسائل، والأمر الذي أريد أن أتحدث عنه -بادئ ذي بدء- هو العِلم والتعلم، والفقه في دين الله -سبحانهُ وتَعالى-؛ لأن هذا هو طريق الخلاص وطريق السَّير على جادة الصَّواب، والذي لا يمكن لعبدٍ مسلمٍ أن يعبدَ الله -تبارَك وتَعالى- إلا بهِ، قال الله -عزَّ وجلَّ-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِاتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، وقال -تبارَك وتَعالى-: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، وقال -جلَّ وعلا-: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
بالعِلم –يا عبدَ الله!- يعرف المسلمُ الحقَّ من الباطل، والتوحيدَ من الشِّرك، والسُّنَّة من البدعةِ، والهُدى من الضلال، والحلالَ من الحرامِ.
بالعِلم –يا عبدَ الله!- تسلكُ الطريقَ الذي يوصلكَ إلى الجنَّة، «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له بهِ طريقًا إلى الجنةِ».
بالعِلم –يا عبدَ الله!- تنالُ الرِّفعةَ في الدنيا والآخرة؛ {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}.
بالعِلم –يا عبدَ الله!- تكونُ من ورثة الأنبياء والمرسَلين، قال رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «وإن العُلماء هم ورثةُ الأنبياء، وإن الأنبياءَ لم يُوَرثوا دينارًا ولا درهمًا، فمن أخذه؛ أخذ بحظٍّ وافرٍ».
بالعِلم –يا عبدَ الله!- تُقيم دعوتَك على توحيد اللهِ، وتكونُ شاهدًا على التَّوحيد بعد شهادة اللهِ وملائكتِه، قال الله -عزَّ وجلَّ-: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
بالعِلم –يا عبدَ الله!- تضع لك الملائكةُ أجنحتَها رضًا بصنيعك، ورضاها دليلٌ على رضا خالقِها -سبحانهُ وتَعالى-.
بالعِلم –يا عبدَ الله!- تستغفر لك جميعُ المخلوقات حتى الحيتان في جوف البحر.
بالعِلم –يا عبدَ الله!- تعرفُ كيف تعبُد ربَّك عبادةً صحيحةً، لا عِوج فيها ولا أمتًا.
بالعِلم –يا عبدَ الله!- تصل إلى برِّ النجاةِ، وإلى جادة الصواب، بدلًا من التخبط الذي يتخبَّطه الكثير من الناس، الذين لم يتفقَّهوا في الدِّين، فتلتبس عليهم الأمور، وتدلهِمُّ أمامَهم الأشياء، فلا يفرِّقون بينها، وربَّما فعلوا الباطلَ يظنونهحقًّا، والحقَّ يظنونه باطلًا، {هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.
فالله الله أيها الإخوة في طلب العِلم الشَّرعي من مظانِّه على العُلماء الراسِخين في العلم؛ حتى نعبد الله على بصيرةٍ، وحتى تقوم دعوتنا على الوجهِ الذي يُرضي الله –عزَّ وجلَّ-؛ ولذلك: العِلم قبل القولِ والعمل، قال الله -سبحانهُ وتَعالى-: {فَاعْلَمْ أنَّه لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}.
أيها الإخوةُ في الله!
بعد هذه العجالة عن أهميَّة العلم؛ فإنَّ ثمةَ وصايا مختصرة أذكرُها في عناصرَمحدودة:
الأمر الأول: هو العِلم والتعلُّم -كما بيَّنا- في ضوء الكتاب والسُّنَّة.
والأمر الثاني: البدءُ بما بدأ الله به، البدء بالعقيدةِ الصحيحة المستمدَّة من الكتابِ والسُّنَّة، والجد والاجتهاد في ذلك، وتقديم التوحيد على كلِّ شيء، فمَن لم يعرف التوحيدَ؛ لا يمكنُه أن يصلَ إلى برِّ النجاة، حتى ولو أدَّى سائر العبادات الأخرى –مئات السِّنين، أو آلاف السِّنين-.
فلا بُد من البدء بالتوحيد؛ {فَاعْلَمْ أنَّه لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}، والجد والاجتهاد في تحقيق عبادة الله -عزَّ وجلَّ-، والإيمان به ربًّا وإلهًا ومعبودًا، والإيمان بأسمائه وصفاته، إثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسولُه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- من الأسماء الحسنى والصفات العُلى، وفهم ذلك وفق هدي الكتاب والسُّنَّة.
ثالثًا: أخذ العِلم عن العُلماء الربانيِّين الراسِخين في العلم، الذين يَنفون عن كتاب الله –جلَّ وعلا- تحريفَ الغالِين وانتِحال المُبطِلين وتأويل الجاهِلين.
قال الله -عزَّ وجلَّ-: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.
رابعًا: إن الحقَّ أحقُّ بالاتِّباع -حتى ولو خالفه النَّاس-، فلا نصغي للكثرةِ؛ لأن أكثر الناس على ضلال -إلا مَن رحم الله-جلَّ وعلا-؛ قال الله -سبحانهُ وتَعالى-: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، وقال –سبحانهُ وتَعالى-: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}، وقال –سبحانهُ-: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}.
فلنتنبَّه لهذا الأمر غايةَ التنبُّه.
والأمر الخامسُ: الجد والاجتهاد في العمل بما تعلَّمناه؛ لأن العملَ هو ثمرةُ العلمِ؛ بأن يطبِّق المسلمُ ما تفقَّه فيه وما تعلَّمه؛ فيكون بذلك قدوةً صالحة لغيره؛ {يَا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلونَ . كَبُرَ مَقتًا عندَ اللهِ أن تَقولُوا ما لا تَفْعَلونَ}.
والأمر [السادس]: التخلُّق بالأخلاق الفاضلة؛ فالخُلق العالية من طِباع المسلم؛ بل قدوتُنا في ذلك رسول الهدى -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، قال الله -عزَّ وجلَّ- في وصفِه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، قال رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «إنَّما بُعثتُ لأتممَ مكارم الأخلاق»، وأخبر -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- أن أقرب الناسِ منزلًا منه يومَ القيامة أحاسنُهم أخلاقًا.
الأمر [السابع]: التراحُم فيما بيننا والتعاطف والتآزُر والتكاتُف والتعاون على البِرِّ والتقوى، وأن نجتهد في ذلك، وأن يكون منطلقُنا من هذا التراحم، يرحم بعضُنا بعضًا، ويعطف بعضُنا على بعض، فنتعاون على البِر والتقوى، ونجتهدُ في ذلك؛ {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، ويقول رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «مثلُ المؤمنين في تعاوُنِهم وتعاطُفِهم كمثَل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسد بالسَّهرِ والحمَّى»، وهذا التعاوُن يكون في تطبيقِ الحقِّ والخيرِ، والجد والاجتهاد في ذلك.
والأمر [الثامن]: التناصح فيما بيننا وفق الضوابط الشرعيَّة، وانطِلاقًا من قول رسول الله –صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «الدِّين النصيحة، الدِّين النصيحة، الدِّينالنَّصيحة» قالوا: لمَن يا رسول الله؟ قال: «للهِ ولرسوله ولكتابِه ولأئمةِالمسلمين وعامَّتهم».
والنصيحةُ مقدَّمةٌ على الفضيحة.
النصحيةُ: أن تبذلَ لأخيكَ الودَّ، وأن تجتهدَ في ذلك محبَّةً له، لأنك تحبُّ له ما تحبُّ لنفسِك، فإذا رأيتَه على خطأ، أو معصيةٍ، أو مخالفةٍ شرعية، أو بدعة؛ ابدأه بالنصح، ولا تبدأه بما قد يدعو إليه بعضُ من لم يفقه منهج السَّلف بأن تبدأه بالهُجران مباشرةً بدون رويَّة وبدون تثبُّت، ودون أن تعلمَ أمرَه، ودون أن تتحقَّق من أمرِه، وقبل أن تنصحَه؛ هذا مبدأ فاسِد مخالف لهدي النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-جملةً وتفصيلًا-.
وأن نجتهدَ في النُّصح، و[…] إخواننا النصحَ ابتغاء وجه الله -جل وعلا-، نُبين لهم الحق بدليله، نبيِّن له وجه الخطأ فيما أخطؤوا فيه، نتلطف معهم في ذلك؛ حتى يتضح لهم الحق، حتى تقام الحجَّة وتُزال الشُّبهة.
وهذا ينقلنا إلى الأمر [التاسع]: وهو التثبُّت مما قد يُنقل إليك من أخيك، وعدم التسرُّع في إصدار الأحكامِ عليه، وعدم الحُكم على الأشخاص إلا بعد التثبُّت، إلا أن ترى شيئًا مثل الشمس أو أشد وضوحًا […].
والتثبُّت خصوصًا عند كثرة الشائعات كما هو في هذا العصر، لا بد لطالب العِلم أن يتثبَّت عما يسمع، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، ويقول النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «إيَّاكم والظنَّ؛ فإن الظنَّ أكذبُ الحديث».
ولذلك من ألوان التثبت: أن تحمل أخاك على المَحمل الحسَن -متى ما وجدتَ إلى ذلك سبيلًا-, ثم إن وجدتَ خطأ صريحًا، أو مخالفةً؛ تنصحه، وتنبِّهه -انطلاقًا من محبَّة الخير له-، ويكون ذلك برحمةٍ، بشفقةٍ؛ كما قال الله -عزَّ وجلَّ- عن نبيِّه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّاغَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
ولذلك: فلا بُد من التثبُّت، وعدم الاستعجال في الحُكم على الأشياء؛ لأن بعض صغار طلبة العِلم أصبحوا [يُفتون]، حتى في بعض المشايخ الفضلاء، يُبدِّعون ويفسِّقون ويُضلِّلون -كما يشاؤون-، ويُصدرون أحكامًا جزافية -إما بناءً على فتوى شابٍّ لم ينضج في العلم، أو بناءً على فتاوى أخرى لعلها حصلتْ من البعضِ نتيجةً لتهويل بعض الشباب لبعض القضايا-؛ فيسيئون إلى إخوة حريصين في العلم، ومشايخ أفاضل منهم مَن هو يُدرِّس في مسجد رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، ثم يأتي البعضُ لينالَ منه، أو يطلب عدم السَّماع له، أو لا تأخذوا العِلم عنه، وهذا الذي يُحذِّر منه ربما أنه لم يبلغ عُشر مِعشاره في العلم، أو ربما كان تلميذًا له يومًا مِن الأيام، لكنَّ هذا التلميذَ تزبَّب قبل أن يتحصرم.
فانتبهوا لهذا؛ فإنه أمرٌ خطير، لا سيما أنتم الآن -لله الحمد والمنة-، مَّن الله عليكم بالاجتماع والألفة، فلا تُمزِّقوا هذه الألفة بالظُّنون.
وهذا لا أعني به أن يظلَّ المسلم ذيلًا للمُبتدعة، أو أن ينضمَّ إليهم، أو أن يُمالئهم، أو أن يتعاونَ معهم؛ لكن أنا أقصد ذلكم الأسلوب الرخيص الذي يُنتهجُ هذه الأيام من بعض الأشخاصِ من أجل تشويه بعض المشايخ وبعض العُلماء وبعض الأفاضل وبعض طلبة العِلم دون رويَّة، ودون تثبُّتٍ، ودون أي دليل يمكن أن ينهض لِما يدَّعون.
فلننتبِهْ لهذا، ولنكن على بصيرة من أمرنا قبل أن تتفرَّق الكلمة بسبب هذه التصرُّفات الهوجاءِ، والتي ربَّما تَسرَّع فيها البعض من التَّبديع والتفسيق والتكفير كما يحلو له وكما يُريد.
احذروا من هذا، والجؤوا إلى المشايخ والعُلماء الربَّانيِّين الذين يقضون بالحقِّ وبه يعدِلون، وإيَّاكم والتسرُّع، وإيَّاكم والعجلة، وإيَّاكم والأحكام الجُزافيَّة،وإياكم وتفريقَ الكلمة من أجل الاختلاف على بعض الأشخاص، أو من أجل فتاوى أشخاص صغار، أو أشباه الصِّغار في النيل من بعض العُلماء، أو في النيل من بعض المشايخ وطلبة العلم.
فانتبهوا لهذا!
الأمر [العاشر]: الجد والاجتهاد في العبادة والتقرُّب إلى الله -عزَّ وجلَّ- الذي يعينُكم على طلب العِلم الشَّرعي، قال الله -تبارَك وتَعالى-: {وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ}، ويقول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- لِحَبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس -رضي اللهُ عنهُما-: «احفظ الله يحفظك، احفظِ اللهَ تجدهُ تجاهك، تعرَّف إلى الله في الرَّخاء يعرفك في الشِّدَّة».
فعلى المسلم عامَّة، وطالب العِلم خاصَّة أن يجتهد في أن يعبدَ الله على بصيرةٍ، وأن يجتهد فيما يقرِّبه إلى الله -تبارَك وتَعالى-؛ إن ذلك هو طريق النجاة، وطريق الخلاص.
الأمر [الحادي عشر]: عدم التَّجرُّؤ على الفتوى، والبُعد عنها، وتركها لأهلها، قال الله –عزَّ وجلَّ-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}؛ فطالب العِلم لا يتجرَّأ على الفتوى، قال بعض السَّلف: «أجرؤُكُم على الفتوى؛ أجرؤُكُم على النَّار».
بعض النَّاس لا يتورَّع أن يفتي في مسألة ليس أهلًا لها، أو في الحُكم على شخصٍ يكبُره دينًا وعلمًا أضعافًا مضاعفة!
علينا أن نَحذر من مثل هذا السُّلوك الخطير.
كذلك من الوصايا: العناية بتوظيف الوقت، والجد والاجتهاد في ذلك، وعدم إضاعتِه فيما لا ينفع.
كذلك من الوصايا: الجد والاجتهاد في تدوين العِلم الشَّرعي وحِفظه، والجد والاجتهاد في حفظ المتون، وفهم شرحها وفق منهج السَّلف الصالح.
كذلك من الوصايا -التي أوصي بها إخواني-: خوف الله -عزَّ وجلَّ- فيما نقول وفيما نعمل، يجب أن يكونَ خوف الله مقدَّمًا على كل شيء.
كذلك من الوصايا المهمَّة: الجد والاجتهاد في اختيار الجلساء الصالحين، قال الله -عزَّ وجلَّ-: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، وقال -تبارَك وتَعالى-: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، قال رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «المرءُ مع مَن أحب»، ويقول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «المرءُ على دِين خليلِه»، ويقول –أيضًا-: «مثل الجليسِ الصَّالح والجليس السُّوء كحاملِ المِسك ونافخِ الكِير، فحاملُ المسكِ إما أن تبتاعَ منه، وإمَّا أن يحذيَك، وإما أن تجدَ منه ريحًا طيِّبة، ونافخُ الكير إما أن يُحرق ثيابَك، وإما أن تجدَ منه ريحًا خبيثة».
مِن الوصايا -أيضًا-: أن تؤتي كل ذي حقٍّ حقَّه؛ فتجعل لعبادتك وقتًا، وللعِلم وقتًا، ولأهلك وقتًا، ولنومك وقتًا حتى يكونَ لك عونًا على طاعة الله، واجتهد في توثيق الصلة بالله -صباحًا ومساء- بأداء الفرائض والنوافل، وتلاوة القرآن والقرب من الله –تبارَك وتَعالى-؛ قال الله -عزَّ وجلَّ-: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِالْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وقال -جلَّ وعلا-: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ . وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
هذه بعض الوصايا، والوصايا كثيرة، لكن أوصيكم ونفسي بالعناية بما ذُكر وبغيره، وأن يحرص على الخير -أينما كان، وحيثما وُجد-، وأن ينأى بنفسه عن إضاعة الوقت في القيل والقال، وأن يَحذر من لَوكِ أعراض المشايخ وطلبة العِلم والكلام فيهم -كما تعوَّد بعضُ الجهلة، وبعض المتعالِمين، وبعض الذين يريدون أن يصعدوا على حساب تشويه سُمعة الآخرين-.
اجتهدوا في فهم ذلك فهمًا جيِّدًا.
وأوصيكم ونفسي في خلاصة ختام هذه الكلمة: بتقوى الله -عزَّ وجلَّ-، في السِّر والعلَن، والمَنشط والمكره، وفي جميع الأحوال.
أسأل الله الكريمَ ربَّ العرش العظيم بأسمائهِ الحُسنى وصفاته العلى لنا ولكم التوفيق والسداد، والعِلم النافع، والعمل الصالح.
وصلَّى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه