نظرات في قاعدة نجتمع فيما اتفقنا عليه ويعذرُ بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه
الحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلاما دائمين على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال حسن البنا رحمه الله هذه المقولة التي شُهرت عنه ونُسبت إليه، محاولةً منهُ للسّكوت عن الخلافات العقدية بين أهل السنّة والصوفية، وبين أهل السنة والرافضة، وبين أهل السنة وسائر أهل البدع، والتركيز على العمل السياسي والحزبي التنظيمي حتى تجتمع الفصائل الإسلامية بشتّى أطيافها، وتنوّع عقائدها، وتباين طرائقها، تحت عباءة الإخوان المسلمين.
فإذا جاء من يُقرّر أصلا عقديا من أصول أهل السنة، أو يُبيّن بُطلان قولٍ مبتدع، أو يُحذّر من ضلالة فُتن الناس بها، واغترّوا بدعاتها، وخُدعوا ببهرجها، فإنّ هذه القاعدة تصيرُ سلاحاً يُشهر في وجهه، وتُبطل بها حُججه وبراهينه، حتى يسكُت عن إثارة هذه القضايا، وإشغال الناس بها، فلا يشغب على رموز هذا التنظيم ورجالاته الذين يجمعون الناس، ويكدّسون الجماهير تحت لوائهم.
فلا يبقى هناك تمييز بين السني والمبتدع، ولا يُعرَفُ المُحقّ من المبطل، فيستوي القائل بأن الله تعالى في العلو مع القائل أن الله تعالى في كل مكان، ويتصافى من يدين الله بأنّ القرآن كلام الله منزّل غير مخلوق مع من يرى أنّ القرآن مخلوق.
وهكذا يترتّب على إعمال هذه القاعدة الباطلة التّهوين من شأن كلّ القضايا والخلافات والنزاعات العميقة بين أهل السنّة والجماعة ومخالفيهم من أهل الفُرقة والضلالة.
وهذا المسلك النفعي السياسي (البراجماتي) فيه ما فيه من تعمية للحقّ وتضييعٍ له، وطمس لمعالم طريقة السلف في التعامل مع المبتدعة، والتعاطي مع انحرافاتهم وتجاوزاتهم.
لأنّ مجرّد التجميع وتكثير الأتباع ليس أمرا مقصودا بذاته عند أهل السنّة، فإنّ النبي يأتي يوم القيامة ومعه الرهط ويأتي النبي ومعه الرجل والرجلان ويأتي النبي وليس معه أحد.
إنما المطلوب من العبد، والأمر الذي تتحقّق به نجاته وفلاحهُ وسعادته وخلاصه، والذي يجب عليه أن يستفرغ فيه وسعه، هو البحث عن الحقّ ولزوم غرزه، والتمسّك بأهدابه، في زمن اندرست فيه كثير من معالم السُنّة وقلّ أنصارها، وكثُر مناوئوها، واستحكمت غُربة أهلها.
قال الشيخ حمد العثمان حفظه الله في ( زجر المتهاون ص١١٢ ): ” لو ُقلنا بمقتضى هذه القاعدة لعذرنا كل مخالف !
وأقررنا كلّ بدعة وضلالة !!
والأخطاء يرقّق بعضها بعضاً، ويعذر من الأخطاء أولاً ما كان أخفّ، حتى نعذر بعد ذلك في الأخطاء العظيمة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: في ( الرسالة التدمرية ص194): وإنما يظهر من البدع أولاً ما كان أخفّ، وكلما ضعُف من يقوم بنور النبوة قويت البدعة. اه
ولو قلنا بهذه القاعدة لعذرنا شارب النبيذ!
ولعذرنا من تزوج متعة!
ومن باع الدرهم بالدرهم مع المفاضلة!
ولعذرنا من أكل في رمضان بعد الفجر قبل طلوع الشمس!
ولعذرنا من نكح الزانية مع استمرارها على البغاء!
ولعذرنا من نكح المخلوقة من مائه سفاحاً!
ولعذرنا من استغاث بالأموات!
وعطل الصفات!
وقال بالجبر!
ونفى الرؤية!
حتى نرضى بعد ذلك بأقلّ القليل مما مع أصحاب البدع المضلة، فنعذرهم في ضلالهم وغيهم، ونتعاون فيما بقي معهم من الإقرار بوجود الله، ضدّ من ينكره من شيوعيين وماديين “.
كتبه محمد بن علي الجوني
Mohdjuni@gmail.com