الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
عِبادَ اللهِ: قال تعالى: ﴿وَلا تُلقوا بِأَيديكُم إِلَى التَّهلُكَةِ﴾. إنَّ الشـريعة الإسلامية إنَّما جاءت للمحافظة على ضروريات الحياة الخمس وهي: الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال، ويكاد يكون العقل أهم مقصد من هذه المقاصد، والعقل هو مناط التكليف الشرعي، فمن فقد نعمة العقل رُفع عنه التكليف.
عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق )) [رواه النسائي وصححه الألباني].
عباد الله: إن هذه البلاد المباركة –المملكة العربية السعودية– مستهدفة في كل شيء؛ مستهدفة في دينها، ومستهدفة في أمنها، وفي ثرواتها، ومستهدفة في أبنائها لأنَّ كُلَّ ذي نعمة محسود.
والمخدرات جزء من كيد الحاقدين والحاسدين من الداخل والخارج لهذه البلاد يريدون أن يستغلوا أبناء بلاد الحرمين من خلال بث سموم المخدرات للصغار والكبار فينصبون فخاً ليقع الطلاب والطالبات في شراكهم وحبائلهم؛ يريدون تدميرهم والقضاء عليهم، وأن ينشأ جيلٌ لا عقل له ولا دين.
فيُخربون بيوتهم بأيديهم ويستهدفون مختلف الأعمار، ويركزون على مرحلة المراهقة والشباب، وهي المرحلة التي تعتمد عليها الدولة في نهضتها.
فالمخدرات من أعظم المشكلات التي تهدد أمن وسلامة المجتمعات، وتعوق تقدمها اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً.
قال تعالى: ﴿أَم يَحسُدونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ فَقَد آتَينا آلَ إِبراهيمَ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَآتَيناهُم مُلكًا عَظيمًا فَمِنهُم مَن آمَنَ بِهِ وَمِنهُم مَن صَدَّ عَنهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعيرًا﴾.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإنَّ كُلَّ ذي نعمة محسود )) [رواه الطبري وصححه الألباني].
عباد الله: إنَّ الناظر لآثار المخدرات بكل أنواعها وسائر نتائجها يراها تشكل خطراً واضحاً، واعتداء سافراً، وتهديداً قاطعاً للضـروريات الخمس؛ فمتعاطي المخدرات لا يُبالي بأحكام دينه، ولا يلتفت لواجبه نحو خالقه، فلا يحرص على طاعته ولا يخشى معصيته، مما يترتب عليه فساد دينه وضياع آخرته.
ومتعاطي المخدرات يفقد سويَّته البشـرية، وكرامته الإنسانية، ويصبح أُلعوبة بيد تجار الموت؛ يلهث وراءهم باحثاً عن السـراب، فلا يملك تفكيراً سوياً، ولا اتزاناً ضرورياً، ولا قدرة على حسن الاختيار لكل ما حوله مما يصبو إليه العقلاء.
يبيع نفسه بثمن بخس، ويبذل كل ماله، ويبيع كل ما يملك؛ بل يتعدى على غيره لجلب المال، وهو على استعداد أن يسـرق أو يحتال أو يختلس باحثاً جاهداً قاصداً لقاء حتفه بأشنع صورة، وأبشع ميتة، وهذا قليل من كثير في تصوير حالة المخدوع الهالك بالمخدرات.
لذلك حكم العلماء على المخدرات بالتحريم القاطع بلا خلاف؛ وذلك لثبوت آثارها السلبية السيئة، ومضارها القاطعة اليقينية، ومخاطرها المحققة على الأفراد والمجتمعات البشرية.
قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِـرُ وَالأَنصابُ وَالأَزلامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطانِ فَاجتَنِبوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ﴾.
والمخدرات تلتقي مع الخمر في علة التحريم، وهي الإسكار بإذهاب العقل فتُشمل بحكمه، وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( كلُّ مُسكرٍ خمرٌ، وكلُّ مُسكرٍ حرامٌ )) [رواه مسلم].
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:
عباد الله: أصبحت المخدرات ظاهرة عالمية، يعاني منها الكثير من دول العالم والمخاطر الناجمة عن هذه الظاهرة تستدعي ضرورة التصدي لها ومحاربتها بمختلف السبل والوسائل.
ورغم خطورة تعاطي المخدرات داخل أي مجتمعٍ من المجتمعات وما تتركه من آثارٍ نفسيةٍ واجتماعيةٍ واقتصاديةٍ مدمرةٍ على الفرد والمجتمع، إلا أنها أصبحت تؤرق جميع المهتمين بها في المجتمع، من أجل احتوائها والحدِّ من مخاطرها.
ولهذا يجب على الجميع التعاون من أجل القضاء والحد من انتشار هذه الآفة المدمرة التي تؤدي إلى ضياع الشباب وإهلاك المجتمعات.
عباد الله: لابد من نشـر الوعي بحقائق الأمور، وإدراك حجم الخطر من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ووسائل التواصل الاجتماعي، ثم التكاتف والتآزر بين أفراد المجتمع؛ للحدِّ من هذا الوباء وصده.
كذلك تنمية الرقابة الذاتية بالإيمان والخوف من الله في قلوب الناس عامةً والناشئة والشباب خاصة، ولابد من تكثيف التوعية بأضرار المسكرات والمخدرات، وتجب العناية بالشباب وملء فراغهم بما ينفعهم وينفع مجتمعهم.
ولابد أن يتكاتف أفراد المجتمع مع الجهات المسؤولة عن نبذ المروجين والتبليغ عنهم، وعدم التهاون معهم.
وإنَّ احصائيات عدد المتعاطين للمخدرات وأعداد ما تم ضبطه من المخدرات عددٌ مذهلٌ مخيفٌ؛ يتوجَّب علينا مضاعفة الجهد في محاربة المخدرات
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ؛ فَقَالَ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً».
اللهُمَّ أعزَّ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الـشِّـرْكَ والمُـشـْرِكِين، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّين.
اللهُمَّ وَفِّق إمَامَنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ لِما فِيه عِزُّ الْإِسْلَامَ وَصَلَاحُ الْمُسْلِمِين.
اللهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَإِخْوَانَه وَأَعْوَانَه لِما تُحِبُهُ وتَرْضَاه.
اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتَك، وَتَحَوُّل عَافِيَتك، وَفُجَاءَة نَقِمَتِك، وَجَمِيعِ سَخَطِك.
اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن البَرَصِ وَالْجُذَام وَالْجُنُونِ وَسَيِّئ الْأَسْقَام.
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ﴾ .
جمع وتنسيق/ عبدالله بن مـحمد بن حسين النجمي
إمام وخطيب جامع الحارة الجنوبية بالنجامية بمنطقة جازان
نعمة العقل والتحذير من خطر المخدرات – خطبة جمعة للشيخ عبدالله النجمي 10-7-1443 هـ