بسم الله الرحمن الرحيم
نعم هذا وقت السلفية
تعقيب على مقال للأستاذ زياد الدريس
لقد اطلعت على مقال بعنوان ” السلفية هل هذا وقتها؟” للأستاذ زياد الدريس نشر يوم الأربعاء, الرابع من كانون الثاني( يناير 2012) في موقع جريدة الحياة السعودية الإلكتروني، وجوابًا على هذا التساؤل الغريب وفي هذا الوقت العصيب بصفة خاصة، أقول:
ينبغي أن ندرك ونعلم أولًا أن السلفية هي دين الإسلام الحق، وبناءً على ذلك فلا تقتصر الدعوة إليه على وقت محدد، بل يجب تبيان حقيقة دين الإسلام وما يُلصَق به زوراً وبهتاناً من أمور ومسائل سواءٌ أكانت في جوانب عقدية أم سلوكية أو غير ذلك.
والدين الحق ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وأما ما أُدخِل فيه؛ فليس من الإسلام لأن الله أكمل دينه لما قال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ).
وتَكمُن أهميَّة لزوم الرجوع إلى فهم السلف للكتاب والسنة أن سبيلهم واجب الاقتداء لقول النَّبِيّ صلى اللّه عليه وسلم: « خَيْرُ النَّاسِ قَرْني ثُم الَذيِنَ يَلُونَهُمْ ثُمَ الَذِينَ يَلونَهُمْ» متفق عليه.
وهذه الخيرية عامةٌ تشمل المعتقد والنهج والسلوك والفهم والعبادة وكل صفات الخير والثناء، ونهج السلف نهجٌ يلزم الاقتداء والاهتداء به في كلِّ حينٍ ، وليست مرحلةً زمنيةً مباركةً فحسب، كما يتصوَّر بعض الناس، كما أنه أسلم وأعلم وأحكم من كلِّ المناهج، خلافاً لمن ادَّعى أنَّ منهج السلف أسلم ومنهج الخلف أعلم وأحكم.
وقد أخبر النبيُّ- صلى الله عليه وسلم- عن الفرقة الناجية بقوله: “لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ ، وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ” رواه البخاري، كما أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- عن وقوع الافتراق في قوله:”إِنَّ بَنِى إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِى عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِى النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً” قَالُوا: وَمَنْ هِىَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: “مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِى”رواه الترمذي وغيره.
وقد أرشدنا الشارع الحكيم إلى المخرج من هذه الفرقة، ولم يتركنا حيارى حيث قال صلى اله عليه وسلم: ” فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ”.
وأبرز سمات السلفية وخصائصها دعوتها وعنايتها بالعقيدة الإسلامية الصحيحة من الوحيين: الكتاب والسنة؛ لأن في ذلك السلامة للمسلم في دينه، إذ عليه أن يلقى ربه عز وجل بعقيدةٍ صافيةٍ نقيةٍ؛ تتحلّى بتوحيدٍ خالصٍ لله وحده، بعيداً عن الشرك بصوره وأشكاله، صغيره وكبيره، لأنَّ التوحيد حقُّ الله على العبيد، ولأجله خلق الله الخلق، وهو دعوة الرسل والأنبياء، ونقيضه الشرك بالله رب العالمين، وهو أقبح الذنوب وأظلم الظلم، وهو محبطٌ للعمل.
ومن أبرز سماتها تحذيرها من الغلو في نفي أسماء الله عز وجل وصفاته بدعوى نفي المشابهة بين الخالق والمخلوق، فتصور بعض الناس المشابهة أولاً، ثم لجئوا إلى تعطيل الصفة وتأويلها، ولو لجئوا إلى طريق السلف في ذلك من إثبات ما في الكتاب وصحيح السنَّة إثباتاً يليق بجلاله وعظمته تبارك وتعالى؛ دون تشبيه ولا تمثيل؛ ولا تأويل ولا تعطيل، لما وقعوا في الذي منه فرُّوا.
ومن صور الغلو المنتشرة في العالم الإسلامي الغلو بالنبي صلى الله عليه وسلم ورفعه صلى الله عليه وسلم منزلة فوق منزلة النبوة والعبودية لله؛ إلى درجة الألوهية، حيث قال قائلهم:
دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
وفي معرفة المنهج السلفي السلامة للمجتمع من التفكك والفرقة والانقسام، ومن الأفكار المنحرفة التي تؤدي إلى التكفير بغير حق، وقتل المسلمين بشبهات فاسدة، وتدمير الممتلكات، وقتل المعاهَدين، وما ينبني على ذلك من مفاسد عظيمة.
وإني أقول صراحةً إن الدعوة السلفية هي الوحيدة التي استطاعت بثوابتها الوقوف أمام الفكر التكفيري المنحرف، وما أعقبه من تفجير ودمارٍ وإخلالٍ بالأمن، وغير ذلك من مضار، وما لقاءاتُ ومناظرات شيخنا العلامة الألباني -رحمه الله- لأرباب هذا الفكر المنحرف عندما زحفت إلى الأردن من مصر بعد ظهور شكري مصطفى قبل أزيد من ثلاثين عامًا حيث وقف الألباني بتأييد الله وتوفيقه وقفةً عظيمةً يشكر عليها، ونسأل الله له الأجر العظيم في تصديه لهذا الفكر واندثاره في الأردن آنذاك، ولله الحمد.
كما كانت لفتواه في مسألة تكفير الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله مرجحاً التفصيل في هذه المسألة؛ والتي انتشرت في كثير من الصحف والمجلات والرسائل، وأيّده في ذلك العلماء الفحول، منهم الشيخ العلامة ابن باز – رحمه الله – ، والشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -، وما قرارات هيئة كبار العلماء بالسعودية واللجنة الدائمة للإفتاء، وتوجيهات سماحة مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، ومعالي الشيخ صالح الفوزان، ومعالي الشيخ صالح آل الشيخ، وغيرهم من العلماء إلا غيض من فيض يصب في تحقيق الأمن بمعانيه المتعددة في أقطار العالم الإسلامي من خطر هذا الفكر.
فهل بعد هذا البيان يحق لك القول يا أستاذ زياد “السلفية مطب وطني”؟!
ومن العجب أن يُرمى أهل السنة الداعين لنهج السَّلف بتهم متعددة، وهذا نهج أهل الأهواء كما قال الإمام أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي- رحمه الله :”علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر ، وعلامة الجهمية أن يُسموا أهل السنة مشبّهة ونابتة، وعلامة القدرية أن يسموا أهل السنة مجبرة، وعلامة الزنادقة أن يسموا أهل الأثر حشوية “.
وبعد هذا البيان اللازم أقول إن الأستاذ زياد في مقاله اضطراب شديد، إذ يقول:” أدرك أن منطوق «السلفية» لا غبار عليه من منظور شرعي، لكنني أدرك أيضاَ أن كل الحركات الطائفية والحزبية بدأت حراكها بأسماء نبيلة لا غبار عليها، لكن الغبار غطّى كثيراَ من أفعالها وتحركاتها”.
وجوابًا على ذلك أقول: إذا كنت تقر أن السلفية لا غبار عليه من منظور شرعي، فماذا بعد المنظور الشرعي من منظور يا أستاذ زياد؟
والغبار الذي تشير إليه أو أخطاء الأشخاص – إن صحت نسبتها – ممن ينتسبون إلى السلفية فلا يتحمّلها إلا الأفراد، ودليل ذلك أننا نرى من صور الشرك في عدد من ديار الإسلام ما فاق شرك كفار قريش، إذ كان أولئك يخلصون لربهم في الدعاء في الشدائد، فهل هذه الأخطاء في المفاهيم العقدية أو في السلوكيات الأخلاقية يتحملها الإسلام؟ أم تُردّ على أصحابها والإسلام منها بريء؟
والسلفية واحدة لا تتجزأ في كل عصر ومصر، ولم أر فرقا بين السلفية التي عرفتها منذ أكثر من أربعين سنة من شيوخنا ومن شيوخ السعودية وغيرها من شيوخ العالم الإسلامي أمثال الشيخ محمد بهجة البيطار، والشيخ توفيق البزرة ،والشيخ نسيب الرفاعي، والشيخ أحمد محمد شاكر، والشيخ محب الدين الخطيب، والشيخ محمد حامد الفقي ، والشيخ حافظ محمد الجوندلوي، والشيخ محمد عطاء الله حنيف، والشيخ إحسان إلهي ظهير، والشيخ تقي الدين الهلالي، وغيرهم كثير رحمهم الله جميعًا.
وأما الاجتهاد فقد يختلف في بعض المسائل بين عالم وآخر سواءٌ أكانا في بلد واحدة أم في أمصار مختلفة، وهذا الخلاف من أهل الاجتهاد سائغٌ ودائر بين الأجر والأجرين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:” إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ »، وأوجه أسباب الاختلاف عديدةٌ بسطها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه “رفع الملام عن الأئمة الأعلام “.
ختامًا: أسأل الله لي وللأستاذ الهداية والسداد، وما أصبت فيه فمن الله، وما أخطأت فيه فأستغفر الله منه، والحمد لله رب العالمين.
كتبه: أ.د . عاصم بن عبدالله القريوتي
كلية أصول الدين – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
alqaryoti@gmail.com
((أرسل بنصه في 17/صفر/1433هـ إلى مكتب جريدة الحياة بالرياض بالفاكس وإلكترونيا))