لعله من المناسب جداً أن أكتب حول هذا الموضوع.. ذلك لأنه يمثل جريمة.. وأي جريمة.. قتلت الابتسامة.. زرعت الشقاء.. وهدمت بيوت العز بعد ارتفاعها.. وخاض أصحابها ـ وبالذات صاحباتها ـ في أوحال الجهل والضياع.. أرجو أن تستقبل هذه الكلمات برحابة صدر، دون تشنج أو توتر.. فإن مبدياها النصح ونهايتها السلامة..
لقد انتشر في مجتمعنا المسكين هذه الأيام (الزواج العرفي) وهو أن تتزوج المرأة رجلاً بصورة سرية دون موافقة وليها، بل دون علمه، ظنا منها وجهلاً أن هذا الزواج شرعي صحيح!!
وقد اتخذ كثير من الفساق ومتسلقي جدار العفة (هذا الزواج المكذوب) وسيلة لتحقيق مآربهم الدنيئة.
وبعض هؤلاء عديمو الرحمة وقساة القلوب استغلوا عواطف أخواتهم المسلمات وضعفهن وحاجتهن إلى الستر وتأسيس أسرة وحاجتهن إلى الدفء العاطفي، فدخل من هذا الباب، فأعطى إحداهن الشمس في يد والقمر في يد، فلما حقّت الحقائق وانبلج نور الصباح فإذا بها صفر اليدين خاوية القلب.
لقد فقد الموجه لكثير من الفتيات.. مما جعل ذلك الصنف من قساة القلوب يستغلونهن أسوأ استغلال.. ويقتادونهن إلى تلك الهوة السحيقة، وذلك الوادي المظلم.
فكم رسموا لهن من الآمال، وصوروا لهن من الأحلام، التي اكتشفن بعد طول زمن أنه مجرد حلم!!
ولكن بقيت له آثار يصعب التخلص منها.
إحداهن وقعت ضحية أحد هؤلاء اللئام، حيث لمس حاجتها إلى العفة والاستقرار وتكوين أسرة والستر، فطلب منها الزواج عرفيا فوافقت على هذا الزواج وما أن دخل عليها حتى بدأ يكشر عن أنيابه ويبتزها ويأخذ أموالها حتى بلغ ما أخذه (أربعين ألف دينار) ولم يكتف بذلك بل أخذ يجبرها على حضور سهراته الماجنة أمام أصحابه وهم يتناولون الخمر والحشيش في حفلات صاخبة..!! فهل هذه زوجة..؟! ولو كانت كذلك أيرضى لها بهذا؟
وأخرى تزوجت!! عرفياً من رجل في السر (وهو الأصل في العرفي) فحملت منه، ولما حملت فرّ وتركها، وهي من مجتمع محافظ ولا تدري ما تفعل الآن خصوصاً وأنها في أواخر أشهر الحمل.. فأي حال هي فيها.
وللأمانة أقول:
إن هذا الزواج المسمى بالعرفي ـ والمعقود دون ولي وشهود ـ هو زواج باطل شرعاً.. وعقد فاسد.. لأنه زواج من دون ولي؛ قال الله تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن}.
فقوله {فلا تعضلوهن} موجه للأولياء ويدل على ذلك أن هذه الآية نزلت في الصحابي معقل بن يسار الذي قال: “تزوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت بخطبها لا والله لا تعود إليك أبدا، وكان رجل لا بأس به، وكانت أختي تريد الرجوع إليه، فأنزل الله هذه الآية: {فلا تعضلونهن} فقلت: إلا أفعل يا رسول الله فزوجه إياها”.
ويدل على بطلان هذا القول أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: “لا نكاح إلا بولي..”.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل..باطل.. باطل”.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تُنكح المرأة المرأة ولا المرأة نفسها”.
ومن تأمل الزواج العرفي.. وجده على هذه الصورة، وأنبه على أن حكم الزواج من دون ولي البطلان وهذا يشمل البكر والمطلقة فهما فيه سواء.
ولا شك أن هذا (الزواج الصوري) من دواعي نشر الرذيلة بين صفوف المسلمين، وينصر الآراء المنحرفة لأناس ابتلينا بهم في هذه الأزمنة سلطوا سهامهم نحو الفضيلة، ووجهوا رماحهم نحو بنات المسلمين.. ولا تغتر أيها القارئ.. بمن رخص في هذا الزواج، واحذر أن تهلك، فالقول على الله وعلى دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم ـ بغير علم ـ قول خطير وعاقبته وخيمة.
وتذكر قول العلماء: من تتبع رخص الفقهاء تزندق..
هذا إن كان المأخوذ قوله عالماً فكيف إذا كان من زمرة الجهال قليلي الورع والعلم.
واحذري أيتها المسكينة لا تخدعي أو تكوني صيداً سهلاً.. واعلمي.. نحن في أي زمن نعيش.
ولو لم يكن لهذا الزواج من الشرور إلا تجرؤ الفتاة على أهلها وقد تذهب مع من لا يناسبها قدراً وديناً.. لكفى، فكيف إذا وضعت رأس أهلها في الوحل.
وكيف إذا زدنا على ذلك أن الزواج يكون بصورة سرية فيا أيتها العاقلة.. لو كان يريدك زوجة لماذا السرية؟!
لماذا الخوف؟! أأنت عار عليه؟!
كيف إذا كنت من رؤوس النساء أدباً ونسباً وجمالاً، فما هو عذرك في هذا الزواج المكذوب؟
واحذري لا تتبعي الهوى.. والصبر على قليل من المر أهون من أكل الحنظل.. وأخيراً وباختصار..
هذا الزواج زواج باطل.. وعقد غير صحيح.. ومن كان قد اجتمع مع امرأة في مثل هذا الزواج فالواجب عليه أن يرجع عنه ويتوب إلى الله.. فهما بعد علمهما بالحكم الشرعي في حكم الزناة.
واحذري أيتها الغافلة.. وارجعي عن هذا العبث قبل أن تلدي مولوداً ويجحدك هذا الزوج الملفق..