هل تحريم طلب الجنسية الكافرة يعد من باب سد الذرائع؛ لأنني أريد طلبها لمصالح دينية، مثل الهجرة إلى بلد مسلم، والتسهيل في أمور التأشيرة والإقامة إلى آخره، أيضًا في الالتحاق بالجامعات، فأظن أن الذي يملك جنسية أوربية ستكون له فرصة أكبر للقبول
يقال جوابًا على هذا: أخذ المسلم لجنسية الدولة الكافرة هذه من المسائل العصرية ومن فقه النوازل، وقد تكلَّم عليها العلماء المعاصرون كثيرًا، وأكثر علمائنا المعاصرين ذهبوا إلى حرمة أخذ المسلم لجنسية الدولة الكافرة، وممن ذهب إلى ذلك شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى-، والألباني -رحمه الله تعالى-، وابن عثيمين، وغير واحد من علمائنا، ولِلَّجنة العلمية للإفتاء في السعودية أكثر من فتوى في تحريم أخذ المسلم جنسية دولة كافرة.
وذكروا لذلك أسبابًا، منها: أن هذا من موالاة الكافرين؛ لأن من أخذ جنسية سيوقع على عقود، وعلى عهود أنه ينصر الكافرين من أبناء البلد الذين أخذ جنسيتهم إلى غير ذلك.
وسيتحاكم إلى محاكمهم الكفرية، ويوقِّع على قبول ذلك، إلى غير ذلك من المحرمات.
إذا كان في الشريعة لا يجوز أن يكون رئيس المسلم كافرًا، كما قال سبحانه: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: 141]
إذا كان لا يجوز أن يكون رئيس المسلم كافر في عمله أو غير ذلك، فكيف بأن يتقصد المسلم ويتجنس بجنسية الدولة الكافرة؟ فيكون تحت إمرتهم، وليس هذا فحسب، بل يكون ملزمًا بأنظمتهم الكفرية والمحرمة إلى غير ذلك.!!!
ثم يترتب على الجنسية أمرٌ خطير وهو أن الرجل المتجنس قد يكون ضابطًا لنفسه، فيتقي كثيرًا من المحرمات، وإلا بعض المحرمات لابد أن يقع فيها، ويكفي أنه تحت إمرة الكافرين، وقد التزم أنظمتهم، لكن قد يتقي كثيرًا من المحرمات.
والمشكلة هي: أن أبناءه بعد ذلك سيتجنسون بهذه الجنسية، وسيدرسون في مدارس الكفار، ويتطبَّعون بطباعهم، ويتأثرون بهم.
ومما في نظامهم أنه ليس للوالدين سلطة على الولد والبنت إذا بلغوا عمرًا معينًا، بل وفي نظامهم أنه لابد أن يفعل الأبناء في المدارس أمورًا محرمة معروفة، وفيه مما هو خادش للحياء …إلى غير ذلك.
فأخذ الجنسية محرم لما تقدم ذكره، وتزداد حرمته إذا سكن الرجل في بلادهم، ونما أبناؤه في هذه الدول الكافرة، ودرسوا في مدارسهم إلى غير ذلك.
وقصص المسلمين الذين تأثروا وتغيروا في أديانهم، بل كفروا بعد إسلامهم بسبب انتقال آبائهم إلى بلاد الكفار أكثر من أن تحصى.
وقد يوجد خلاف ذلك، لكن الأحكام الشرعية مبناها على الغالب.
فلذا أنصح أخي ألا يأخذ جنسية الكافرين، ولو زعم أنه إذا أخذها ينتقل إلى بلاد المسلمين …إلى غير ذلك، هذا قد يكون في نيته الآن، لكنها تتغير مع تغير الظروف، ومع تزيين الشيطان، والله سبحانه يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾[النور:21].
فليتق الله أخونا، وليعلم أن الله هو الرازق.
والله لو توكلنا على الله حق التوكل وأقبلنا عليه؛ لرزقنا ما قدّر لنا، فقد كفانا سبحانه، والله يقول:﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: 2، 3]
فاللهَ اللهَ باليقين وبالإقبال على الله سبحانه، وبالتوبة والاستغفار، فإن الاستغفار سبب لجلب الأرزاق، قال سبحانه: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 11، 12]
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه هو الرحمن الرحيم