يقول السائل: بعض الدول منعت الصلاة، هل نسمع ونطيع؟ أم منع الصلوات معصية فلا سمع ولا طاعة لولي الأمر؟ ممكن التوضيح في هذه المسألة.
الجواب:
قبل الإجابة على هذا السؤال أنبه إلى ما يلي:
– الأمر الأول: أن الجمعة شعيرة من شعائر الإسلام، فإذا كانت شعيرة فإنها لا تُفعل في البيوت، ولا في السجون، وقد ذكر ابن رجب -رحمه الله تعالى- في شرحه على البخاري أن العلماء مجمعون على أنها لا تُفعل في السجون، ونقل ذلك عن الحسن وعن جماعة من السلف، إلى مالك وأحمد وغيرهم، فهو قد حكى إجماع أهل العلم. ثم ذكر عن بعض الشافعية أنهم عللوا ذلك بأنها شعيرة ظاهرة، فعلى هذا لا تُفعل في البيوت ولا في السجون ونحو ذلك، وقد ذكر نحوًا من كلام ابن رجب وإجماع السلف السبكي، وممن ذكر ذلك من العلماء المعاصرين العلامة محمد بن إبراهيم -رحمه الله تعالى- فقد ذكر في فتاواه أنه لا يصح أن تُصلى في السجون وأنه لا يعلم عن أحد من السلف أنهم فعلوا ذلك مع ورعهم وحرصهم.
إذن لا يصح أن تُفعل في البيوت ونحوها.
– الأمر الثاني: ينبغي أن يُعلم أن هناك مشغبين على مثل هذه المسألة، ودافعهم ليس دينيًا وإنما دافع حزبي أو عداء للدول، أو مناطحة للحكام وغير ذلك، فمثل هؤلاء لا ينبغي أن يُلتفت إليهم، فرقٌ بين أن يكون دافع الرجل دينيًا وعلميًا وقد تلتبس عليه المسألة، وبين أن يكون دافع الرجل حزبية أو مناطحة للحكام ومعاندة لهم، فمثل هؤلاء لا ينبغي أن يُلتفت إليهم، وطريق التفريق بينهما أن يُنظر إلى حال الرجل، إذا كان معروفًا من أنه مناطح للحكام ومع جماعة الإخوان المسلمين والثوريين …إلخ، فمثله لا يُلتفت إلى كلامه.
– الأمر الثالث: ينبغي أن يُعلم أن هناك فرقًا بين حال الاختيار وحار الاضطرار، فالجمعة ولله الحمد تُقام في بلاد المسلمين أجمع، والحكام لم يُعارضوا ذلك بل في كثير من الدول يؤيدون صلاة الجمعة ويبنون لها المساجد إلى غير ذلك، ولم يمنعوا الصلاة إلا في حال حرجة كهذه الحال، وظهور الحرج في هذا الحال أمر ظاهر وليس خاصًا بدولة ولا دولة، بل هو عام في الدول كلها مسلمها وكافرها، فإذن الأمر ظاهر وجلي، فكيف يُشكك ولا يُسمع ولا يُطاع للحاكم فيما مصلحته ظاهرة كظهور هذا الأمر؟ فقد توارد الأطباء على أن هذا الداء وهو الكرونا سريع الانتشار والعدوى، إلى غير ذلك من أضراره.
فالمقصود أن مصلحة مثل هذا ظاهرة، فلا ينبغي أن يُشكك فيه ولا أن يُخالف.
بعد هذا، قد رأيت بعضهم يعترض على أمثال هذه القرارات بأن صلاة الجماعة في المساجد فرض كفاية بالإجماع، حكى الإجماع ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-. فيقال: هذا في حال الاختيار لا حال الاضطرار كهذه الحال، فإن أكل لحم الميتة محرم إجماعًا، لكنه عند الضرورة يجوز، ففرق بين حال الاختيار وحال الاضطرار.
فلذا ينبغي ألا يُخالف ولاة الأمور في مثل هذا، فإن مصلحته ظاهرة، ثم قد بتَّ في ذلك علماؤنا وأخرج علماؤنا في بلاد التوحيد السعودية بيانًا واضحًا في أنه يصح أن تُترك الجمعة للمصلحة الظاهرة، إلى غير ذلك مما ذكروا في البيان.
وأرجو من إخواني المسلمين أن يتعقلوا وألا يُخدعوا وألا يُستفزوا من جاهل أو بغيض لولاة وحكام المسلمين ومعاند لهم، باسم الدين.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.