يقول السائل: هل يجوز صبغ شعر الرأس واللحية بالسواد؟
الجواب:
يريد السائل -والله أعلم- جواز تغيير الشيب بالسواد، وقبل الكلام على هذه المسألة، ينبغي أن يُعلم أن تحرير محل النزاع فيما يلي:
– الأمر الأول: أن تغيير الشيب بالسواد في الجهاد والقتال جائز بالاتفاق وبالإجماع، حكى الإجماع الحافظ ابن حجر وغيره.
– الأمر الثاني: أن تغيير الشيب وصبغه بالسواد من باب التدليس ليُدلس الرجل على المرأة التي يتقدم عليها ليُظهر أنه شاب وليس كذلك، هذا محرم بالإجماع، كما ذكره المباركفوري في كتابه (عارضة الأحوذي).
بعد هذا، تنازع العلماء في تغيير الشيب في غير الجهاد وغير التدليس، وقد ذُكر في المسألة أقوالٌ ثلاثة، ومما ذُكر في المسألة القول بالتحريم، كما قال به بعض الشافعية، لكن ذكر العيني -رحمه الله تعالى- في كتابه (عمدة القاري) إجماع السلف والخلف أنه لم يقل أحد بالحرمة.
فبهذا يظهر -والله أعلم- أن الذي قال بالتحريم من الشافعية هم من متأخريهم، كالماوردي ومن تبعه، فلذا أظهر الأقوال في هذه المسألة -والله أعلم- أن تغيير الشيب بالسواد جائز وإن كان مكروهًا، وهذا قول الحنفية والمالكية والحنابلة، وهو قول عند الشافعية، وقد اختاره ابن القيم -رحمه الله تعالى-.
ويدل لذلك ما ثبت في صحيح مسلم عن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «غيروا الشيب وجنبوه السواد»، وقوله: «وجنبوه السواد» إن صحَّ في الحديث، لأن بعضهم يُنازع في صحته، إن صحَّ فهو محمول على الكراهة لا على التحريم، ويدل لذلك أنه ثبت عن جمع من الصحابة أنهم غيروا بالسواد، ثبت عند ابن أبي شيبة عن عقبة بن عامر أنه كان يخضب بالسواد ويقول: نُسوِّد أعلاهما وتأبى أصولها.
وثبت عند عبد الرزاق عن الحسن والحسين، أنهما كانا يُغيران بالسواد، وصححه ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه (الهدي).
فبثبوت هذا عن الصحابة يدل على أن النهي في الحديث على الكراهة لا على التحريم، ولم أر أحدًا من الصحابة خالف في ذلك ومنع الصبغ بالسواد، وإن كان منهم من كان يصبغه بالحناء أو بالصُّفرة، إلى غير ذلك، لكن لم أر منهم من منع الصبغَ بالسواد أو حرمه.
فإن قيل: ماذا يُقال فيما ثبت عند أحمد وأبي داود عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليكونن أقوام من أمتي يخضبون في آخر الزمان بالسواد، كحواصل الطير، لا يجدون رائحة الجنة»؟
فيقال: هذا الحديث ليس محمولًا على مجرد التغيير، وقد قال ابن الجوزي في كتابه (الموضوعات): لم يقل أحدٌ من أهل العلم أن هذا الحديث محمول على مجرد التغيير.
إذن هو محمول على ما يُناسبه في الوعيد، وهو التدليس والخديعة، أما مجرد التغيير فليس كذلك.
فبهذا يتبيَّن -والله أعلم- أن تغيير الشيب بالسواد جائز وإن كان خلاف الأفضل وأن الأولى أن يُحنَّى كما كان يفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في البخاري عن أنس، أنه ذكر شعرات النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنها كانت مخضوبة بالحناء.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.