بسم الله الرحمن الرحيم
وضع الآية في غير موضعها ، وتجويز تهنئة الكفار بأعيادهم : أمر منكر
((تعقيب على الدكتور عايض القرني ))
✏الحمد لله وحده ، وصلاة وسلاما على خليله ورسوله محمد وآله وصحابته ومن اتبع هداه إلى يوم الدين .
أما بعد فقد اطلعت على فتوى للدكتور عايض القرني ـ وفقه الله ـ أجاز فيها تهنئة الكفار بأعيادهم ، ومنها عيد الكريسمس .
ولا شك أن هذا خطأ محض ، مخالف لما أجمع عليه العلماء ، ما كان ينبغي للدكتور عايض أن يقع فيه ،
*قال الإمام الحافظ شمس الدين ابن القيم ـ رحمه الله ـ : ( وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول : عيد مبارك عليك ، أو تهنأ بهذا العيد ، ونحوه ـ فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات ، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب ، بل ذلك أعظم إثما عند الله ، وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه . وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل ، فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه )
*وقال العلامة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ( مجموع فتاويه 3 /8) : ( وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضا به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره، لأن الله تعالى لا يرضى بذلك، كما قال الله تعالى: { إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} وقال تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا…. ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملة، أو تودداً، أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب، لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم)
*وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (3 /436 ) برئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله (لا يجوز للمسلم تهنئة النصارى بأعيادهم؛ لأن في ذلك تعاونا على الإثم وقد نهينا عنه قال تعالى { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } كما أن فيه توددا إليهم وطلبا لمحبتهم وإشعارا بالرضى عنهم وعن شعائرهم وهذا لا يجوز، بل الواجب إظهار العداوة لهم وتبين بغضهم؛ لأنهم يحادون الله جل وعلا ويشركون معه غيره ويجعلون له صاحبة وولدا قال تعالى: { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ } الآية، وقال تعالى { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ } )
*والذي يهنئ النصارى بعيد الميلاد أو الكريسمس ، فهو في الحقيقة ـ وإن كان لايشعر ـ يقول لهم : أهنئكم باتخاذ الله ولدا له ، وأن عيسى صار ربا ، لأن النصارى يحتفلون فيه بميلاد عيسى عليه السلام ، الذي يزعمون أنه ولد لله ، وأنه ثالث ثلاثة ، وأنه هو الله ، كما قال تعالى عنهم : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } وقال سبحانه : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } وقال :{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ } فهذا هو معنى تهنئتهم بعيد الميلاد ؛ فهل يكون معظما لربه من فعل هذا ؟ أو دعا إليه ؟ أو أجازه ؟ فهو تهنئة لهم بإشراكهم ، وكفرهم بالله ، وإن كان المسلم لا يقصد ذلك، ولايشعر به !!
*ولو أن مسلما عق والديه ، أو شرب الخمرة ، أو فعل الفاحشة ، أوشهد زورا ، أو فعل بدعة ، حرم تهنئة بذلك ، بل وجب الإنكار عليه ، ونهيه عنه ، فما الظن بتهنئة الكفار بأعيادهم التي هي من شعائر دينهم ؟ لاشك أن هذا أغلظ ، وأشد حرمة ، وإن كان الجميع محرما .
**وقد استشهد الدكتور ـ وللأسف ـ على فتواه بقوله تعالى : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} ، وهو استدلال منكر ، ووضع للآية في غير موضعها ؛ ذلك أن الحسن والقبح إنما يعرف من طريق الشرع ، وقد ثبت أن تهنئة الكفار بأعيادهم محرمة ، وإذا كانت محرمة فهي من القول القبيح الذي نهينا عنه ، وليست من القول الحسن الذي أمرنا به .
جرى التنبيه على هذا لأني سمعت من اغتر بهذه الفتوى ، وظنها موافقة للشرع ، وهي في الحقيقة ليست كذلك . والواجب على الدكتور التوبة والاستغفار ، وإعلان الرجوع عنها ، وهو المظنون به إن شاء الله .
أسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ، ويقينا شرور أنفسنا ، ويوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
✏ كتبه / عبدالعزيز بن محمد السعيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
26/ 2 / 1435 هـ