إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادِي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرا.
أيها الناس:يقول المولى جل في علاه: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون )
عباد الله :ذكر الصالحين حياة للقلوب وشحذ للهمم ودعوة للاقتداء بهم ،فكيف إذا كان أولئك رأس الصالحين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه مما يزيد في الإيمان: معرفةُ سيرهم وموآزَرتهم النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – ونصرته، قال الإمام أحمد – رحمه الله -: “ومن السنة: ذِكر محاسن أصحاب رسول الله – صلى الله
عليه وسلم – كلهم أجمعين”.
وقد سبق لنا الكلام عن الشيخين والخليفتين الراشدين ، واليوم نقف سريعا مع صاحبهما الثالث ، صاحب الهجرتين ، ذو النورين وزوج الابنتين ، ما أغلق بابه على ابنتي نبيّ غيره.
الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وحسبك به فضلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع أصحابه يقولون أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان فيقرهم ولا ينكره عليهم.
كان من أوائل من اسلموا فهو رابع أربعة دخلوا في الإسلام فنال وسام شرف (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم)
ولم يشهد بدرا لانشغاله بتمريض زوجته ، فعُلق نوطُ شرف حضور بدر من محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال له (إن لك أجرَ من شهد بدراً وسهمه)رواه البخاري .
وفي بيعة الرضوان لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم الى قريش مفاوضا فاحتجزته قريش ، فبايع النبي الصحابة ثم ضرب بإحدى يديه على الأخرى ، فكانت يد رسول الله لعثمان خيراً من يد عثمان لنفسه. ومن فضل أهل بيعة الرضوان أنه لا يدخل النار أحد منهم .
وجهز جيش العسرة بماله وكان النبي صلى الله عليه وسلم قال من جهز جيش العسرة فله الجنة أخرجه البخاري .
وكان في المدينة بئر عذبة الماء يقال لها بئر رومة لرجل من اليهود فكان يبيع الماء على الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم من يشتري بئر رومه، ودلوه فيها كدلاء
المسلمين وله الجنة فاشتراها عثمان وجعلها للمسلمين.
صعد النبي صلى الله عليه وسلم جبل أحد ومعه ابو بكر وعمر وعثمان فرجف الجبل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اسكن أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان. رواه البخاري.
ومن عظيم سجاياه وجميل أخلاقه وهي أميز صفة تميز بها عثمان رضي الله عنه، والتي أصبحت ملازمة لاسم عثمان، ألا وهي صفة الحياء .
فقد كان من أشد الناس حياء ، كأنه العذراء في خدرها من شدة حيائه، فكان إذا اغتسل يغتسل جالساً لئلا يكشف شيء منه مع أنه في بيت مغلق عليه.
وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن عثمان حيي ستير تستحي منه الملائكة) أخرجه ابن عساكر وصححه الألباني .
وهو أول من جمع الناس على مصحف واحد وذلك لما خشي افتراق الأمة بسبب الاختلاف في وجوه القراءة .
وكان الناس في خِلافته في عيشٍ رغيدٍ وأمنٍ وطيدٍ، وفي أُلفةٍ واتفاق، وصفَ الحسنُ حالَهم بقوله: “الأُعطياتُ في خلافته جارية، والأرزاقُ دارَّة، والعدو مُتَّقًى، وذات البين حسن، والخيرُ كثير، وما مؤمنٌ يخافُ مؤمنًا، من لقِيَه فهو أخوه من كان”. يقول الحسن البصري: شهدت منادي عثمان ينادي: يا أيها الناس، اغدوا على كسوتكم فيأخذون الْحُلَل، ثم ينادي آخر :اغدوا على السمن والعسل.
إلا أن دعاة الفتنة والمتلبسون لابس الدين كذبا لم يسغ لهم ذلك فقال قائلهم: ابدؤا في الطعن على امرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا قلوب الناس وادعوهم إلى هذا الأمر يعني الخروج عليه ) حتى أثر ذلك في بعض الرعية يقول سعيد بن المسيب:”كانت المرأة تجيء في زمان عثمان إلى بيت المال، فتحمل الحمل الثقيل من الخير والعطايا ثم تقول: اللهم بدِّل!، اللهم غيرِّ، تعني عثمان”.
وهذا كما يفعله المفتونون اليوم، هم في نعمة وأرزاق فإذا انتقص من أحدهم درهما ضاع دينه وتجرء على حدوده سخرية بنصوص السمع والطاعة لولاة أمره، فلا لله شكروا ولا لولاتهم بالخير ذكروا .
قال ابن عثيمين :و الخروج على الولاة يكون بالقتال وبالسيف, ويكون أيضًا بذكر المعايب … أمير المؤمنين عثمان -رضي الله عنه- لما خرج عليه (الثوار) نشروا معايبه أولاً بين الناس, وقالوا: إنه خالف الشيخين الذين قبله أبو بكرٍ وعمر … وقرّب أولياءه, وأعطاهم الولايات.. فجعلوا ينشرونها، فاجتمع (الثوار)، ثم أحاطوا ببيته وقتلوه. فلا يجوز للإنسان أن ينشرَ المعايب,
هذا نوعٌ من الخروج )
فكانت تلك أولَ مظاهرة في الإسلام على ولي الأمر وأولَ خروج بالقوة والسلاح وحصل بسبب ذلك من الفرقة والاختلاف ما هو باق إلى يومنا هذا.
فرضي الله عن عثمان وجزاه عن الإسلام وأهله خير الجزاء اقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: قال الإمام أحمد – رحمه الله -: “لم يجتمعوا على بيعة أحدٍ ما اجتمعوا على بيعة عثمان”. فإنه بعد استشهاد عمر رضي الله عنه اختار المهاجرون والانصار عثمان بن عفان أميرا للمؤمنين ولو كان يتقدمه أحد في قلوبهم لاختاروه فمن طعن في خلافته فقد خالف سبيل المؤمنين.
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في أصول السنة : “و من انتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم، أو أبغضه بحدث كان منه، أو ذكر مساوئه، كان مبتدعا، حتى يترحم عليهم جميعا، و يكون قلبه لهم سليما”.
قال أبو زرعة الرازي رحمه الله تعالى: “إذَا رأيتَ الرجلَ ينتقصُ أحدًا منْ أصحابِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم فاعلمْ أنهُ زنديقٌ )
عباد الله : في هذا الوقت لم نعد نخش الفتنة من الروافض بقدر ما نخشاها ممن تسمو بالفكر الإسلامي وتظاهروا بالسنة وانطلقوا من مبدأ حرية الرأي ، وان لا عصمة لهؤلاء الصحابة ، وان حرية الرأي تسوغ لهم نقد كل أحد ، ووراء الأكمة ما وراءها ، إذ التنقص للصحابة قدح في نقلة الدين لنا ومن ثم ابطال الكتاب والسنة .
فهاكم أحد رؤوسهم في هذا العصر الا وهو المودودي والذي يرى أن سياسة عثمان بدأت تحيد عن سياسة الشيخين ابي بكر وعمر رويدا رويدا وبسبب ذلك كانت الثورة ضده ، هكذا زعم وما صدق ، فهل كانت تلك سبب الثورة ؟!! .
وأما وريث مدرسته سيد قطب فيقول في سياق قدحه
لعثمان رضي الله عنه: “أن عثمان فهم من كونه إماماً يمنحه حرية التصرف في مال المسلمين بالهبة والعطية ، فاتهمه بمحابات قرابته بني معيط وبني أمية على رقاب الناس …. وأنه مكن للمباديء الأموية المجافية للإسلام من الملك الوراثي ، والاستئثار بالمغانم والأموال والمنافع ، وايثاره أهله ومنحهم مئات الألوف … ثم يمدح الثورة على عثمان، ويرى أنها أقرب إلى روح الإسلام من موقف عثمان … ولهذا فخلافته فجوة بين الشيخين وعلي لأن في خلافته ذهبت روح الإسلام ، وضعفت التقاليد الإسلامية، فجاء عليٌّ ليرد هذه الروح الذاهبة … ثم اعتذر لعثمان – وهوعذر اقبح من همز – أن المصادفات السيئة قد ساقت إليه الخلافة متأخرة وأن الخلافة أدركته وهو شيخ كبير، ضعفت عزيمته عن عزائم الإسلام، وضعفت إرادته عن الصمود لكيد بني أمية .
فإذا كان هؤلاء الخلفاء الراشدون لم يسلموا من ألسنة من يدّعون الإسلام، فإن مَنْ دونهم أحرى أن لا يسلم من عدو يطعن عليه باسم الإسلام (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم احفظ هذا البلد وأهله وسائر بلاد المسلمين اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين اللهم لا تشمت بأهل الإسلام عدواً ولا حاسداً اللهم اجمع قلوبنا على التوحيد والسنة اللهم من أراد إغواء شباب أهل الإسلام بفتنة أو خروج على العلماء والحكام أو إخلال بالأمن والأوطان … اللهم فأهلكه اللهم فأهلكه اللهم فأهلكه.
اللهم كن لجنودنا المجاهدين في رباط ثغور بلاد التوحيد ، اللهم سدد رميهم واخذل عدوهم وأشف جريحهم وعجل
نصرهم يا قوي يا عزيز .
راحم المنكسرين ومغيث المستغيثين وكاشف
كرب المكروبين أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مغيثا، سحا طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد
عباد الله إن الله يأمر بثلاث وينهى عن ثلاث يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله الجلي العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .