إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
أيها المؤمنون عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإن من اتقى الله وقاه، وهداه إلى أرشد أمور دينه ودنياه
ثم اعلموا رحمكم الله أننا على أبواب عام دراسي جديد، وفيه تذكر بتصرم الأيام وانقضاء السنين، فمولود الأمس هو اليوم طالب ، والصغار صاروا كبارا وقد اصبحوا ذووا مسؤولية، فتذكروا يا أولي الألباب،
حياة وموت، صحة ومرض، عافية وابتلاء، فلنتدارك أعمارنا بالتوبة والمسارعة بالأعمال الصالحة.
عباد الله: ومع تجدد الأعوام الدراسية نقف وقفات : أولاها / وقفة عزاء، لكن لمن؟ لمن فقد قريبا؟ لا، لمن أضاع مالا؟ لا، تعزيتنا نقدّمها اليوم لكل من ضاعت منه الإجازة الصيفية دون أن يغنم فيها شيئا من الأعمال الدنيوية النافعة، أو الأعمال الأخروية الصالحة ، قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)
الثانية / وقفة اجلال وهو مما يشكر لولاة أمرنا والقائمين على المناهج التعليمية صحة العقيدة المقررة والمنهج العلمي في العبادات التي لو ضبطها الطالب لقام
بأركان الإسلام تامة كاملة .
ومِنَ النعمةِ التي نَرْفُلُ بها : أنَّ التعليمَ عندنا ليس مختلطاً بين الذكورَ والإِناثِ , بلْ كلُّ جِنْسٍ مُسْتَقِلٌّ عن الآخر , ولا شَكَّ أن هذه نعمةٌ كبيرةٌ قَلَّ أنْ تُوجدَ إلا في بلدنا نسألُ اللهَ أن يُدِيمَها , كما نسألٌه عز وجل أن يكفينَا شرَّ مَنْ يريدُ إزالتَها .
الوقفة الثالثة : أربع وصايا:
الأولى:لكم أنتم أيها المعلمون : كونوا محببين لطلابكم العلم فروى ابن ماجه و حسنه الألباني عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « سَيَأْتِيكُمْ أَقْوَامٌ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَقُولُوا لَهُمْ مَرْحَبًا مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) كونوا ناصحين لطلابكم فيما ينفعهم في دينهم ودنياهم ،بالقدوة الحسنة في كلامكم وأفعالكم وملبسكم ومشربكم ، قال الإمام مالكٌ -رحمه الله-: «لا يؤخذ العلم عن أربعةٍ: سفيهٍ يُعلن السفهَ وإن كان أروى الناس، وصاحب بدعةٍ يدعو إلى هواه، ومن يكذب في حديث الناس وإن كنتُ لا أتَّهمه في الحديث، وصالحٌ عابدٌ فاضلٌ إذا كان لا يحفظ ما يحدِّث به». فلا بد من الإعداد العلمي العائد بالنفع على الطلاب ، واللين من دون خور ، وارشادهم لمواقع الدرر ، وتحذيرهم ممن يكيد لدينهم ووطنهم مواقع الخطر ،ممن تلبس بلباس الدين كالجماعات الضالة كالإخوان والتبليغ والخوارج ، او ذوي الأفكار المنحرفة الذين يطعنون في الدين وأهله الناصحين ، وأوصوهم بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم ، والسمع الطاعة ، ومن النصح كما ذكر الحافظ النووي والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله تحبيب ولاة الأمر لهم والبعد عما يوجب نفرتهم منهم كالقدح والسخرية تلميحا أو تصريحا ، تأليفا لقلوبهم على ولي الأمر .
الوصية الثانية:نوجهها لأبنائنا الطلاب: بالنية
الحسنة برفع الجهل عنكم ورفعه عن غيركم ، وأن تكون تلكم الشهادات التي يطلبونها وسيلة للعمل في نفع الخلق اذ لا يمكن ذلكم في العصر الحاضر الا بهذه الوسيلة، فقد روى أبو داود والترمذي عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من تعلّم علما ممّا يبتغى به وجه اللّه- عزّ وجلّ- لا يتعلّمه إلّا ليصيب به عرضا من الدّنيا لم يجد عرف الجنّة يوم القيامة »
وعليكم ببذل غاية الجهد في تحصيل العلم من أول العام
، ومراجعته أولا بأول ، ففي الصحيحين عن معاوية رضي
الله عنه قال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ )،وعليكم التحلي بالأدب والخلق الحسن قال عبدالله بن المبارك:(كانوا يطلبون الأدب ثم العلم)وقال يحيي بن محمد العنبري:(علم بلا أدب كنار بلا حطب ، وأدب بلا علم كجسم بلا روح)وقال الليث بن سعد:(انتم الى يسير من الأدب أحوج منكم إلى كثير من العلم) ، قال الإمام السفاريني رحمه الله : ” يَنْبَغِي احْتِرَامُ الْمُعَلِّمِ ـ الَّذِي هُوَ الشَّيْخُ ـ وَتَوْقِيرُهُ، وَالتَّوَاضُعُ لَهُ، وَكَلَامُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ، وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ : أَنَّ حَقَّهُ آكَدُ مِنْ حَقِّ الْوَالِدِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِتَحْصِيلِ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ، وَالْأَبُ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْحَيَاةِ الْفَانِيَةِ )، والبعد عن رفقاء السوء من أهل التدخين والتفحيط والمخدرات ، ومن أهل التكفير
والجماعات الطاعنين في وطنكم وولاة أمركم.
الوصية الثالثة:لكم أنتم أيها المدراء: فإن على إدارة المحضن التعليمي ، أن يرعوا من تحت مسئوليتهم من مدرسين وطلاب ومراقبين وغيرهم من العاملين؛ فأنتم أيها المدراء مسئولون عنهم أمام الله عز وجل، ثم أمام المسئولين فوقكم، ثم أمام عامة الأمة بمقتضى الأمانة التي تحملوها نحوهم. فاتقوا الله في أمانتكم وقوموا بواجبكم.
الوصية الرابعة:نقول فيها يا أولياء أمور الطلاب: إذا كان على المدرسة معلميها ومديريها واجبات فإن عليكم واجبات يلزمكم القيام بها.. ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعريّ- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين :وذكر منهم الرّجل تكون له الأمة فيعلّمها فيحسن تعليمها ويؤدّبها فيحسن تأديبها فله أجران ) فعليكم أولياء الأمور أن تتفقدوا أولادكم وأن تراقبوا سيرهم ونهجهم العلمي والفكري والعملي وشجعوهم على كل خير، علموهم شكر ماهم فيه من النعم كنعمة الأمن والإيمان والأرزاق، اسألوا عن أصحابهم ومن يعاشرونهم ويصادقونهم، فإن إهمال الأولاد ظلم وضياع ومعصية لما أمر الله به في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) قال علي -رضي الله عنه-: (قُوا أَنْفُسَكُمْ) أي:”علموهم وأدبوهم”رواه الحاكم وصححه.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر
المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمدُ للهِ الذي عَلَّمَ بالقلمِ , عَلَّمَ الإنسانَ ما لم يَعلمْ , وأُصلِّي على خيرِ مُعَلِّمٍ, نبيِنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه وأُسَلِّمْ .
أما بعد:
عباد الله : ومع صبيحة أول يوم من أيام الدراسة تزدحم الشوارع بالسيارات، وتكتظ السبل بالمشاة، من جميع أصناف العباد والفئات: آباء وأبناء، رجال ونساء، طلبة وطالبات، وهنا يطرح السؤال: كيف ومن أجل ماذا استيقظ هؤلاء؟ وقد كانوا قبل أيام في هذا الوقت نياما؟
أين هذه الجموع من الشباب والرجال عن حضور الصّلوات، وأين هم من المحافظة على الجمع والجماعات؟ أصارت الدراسة عند من هذا حاله أعظم من الصلاة ؟!
والبعض هداهم الله يحرص أشد الحرص على عدم غياب
ابنائه عن دراستهم وهذا حسن ، ولكن لا تجد ذلك فيما لو تأخروا عن صلاة الجماعة ، أو أخروها عن وقتها مع أنه لا صلاة لمن تعمد تأخيرها بعد وقتها ولو صلاها ألف مرة ،فمن ضيع الصلاة فهو لما سواها اضيع .
وقد قال الله تعالى لنبيه{ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}
ومدح نبيه أسماعيل بقوله{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}.
عباد الله : صلوا وسلموا على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) اللهم صلي وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان،
اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين يا قوي ياعزيز
اللهم أصلح ولاة أمر المسلمين عامة وأصلح ووفق ولاة أمرنا خاصة يارب العالمين،اللهم آمنا في الأوطان وا لدور
اللهم من أرادنا بشر وفتنة فأشغله في نفسه واجعل تدبيره تدميره وسلط عليه يا قوي يا عزيز،
اللهم وفق إخواننا العساكر ورجال الأمن المرابطين لكل خير اللهم احفظهم وسدد رميهم واشف مرضاهم وارحمهم موتاهم يارب العالمين .
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.