وقفات مع فكر القاعدة ( 1 – 5 )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد 0
جلس ولد مع أبيه يتجاذبان أطراف الحديث حول منهج أسامة بن لادن، أهو شهيد أم لا ؟
فقال الابن لأبيه: يا أبت أريد أن تبين لي بعض الأمور التي تُشكِل عليَّ فقال الأب: حسنا وما هذه الأمور؟ فقال الابن لأبيه: إن الناظر لفكر القاعدة وما يفعلونه يجد أن نيتهم حسنة ، فهل النية الحسنة دليل على صحة الفعل وسلامة المنهج ؟
قال الأب : لا يا بني إن النية الحسنة لا تجعل المنهج صحيحا والفعل سليما ولا تجعل البدعة حسنة ، وذلك لأن النية الحسنة وحدها لا تكفي، بل لا بد أن يكون معها موافقة السنة ومتابعة السلف الصالح 0 فقال الابن ما الدليل على ما تقول يا أبتي؟ فقال: الدليل على ما أقول من الكتاب ومن السنة ومن أقوال السلف 0 أما القرآن فقال الله تعالى{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم } فصلاح الأعمال ومغفرة الذنوب لا تتحقق إلا بالقول السديد والقول السديد لا يكون إلا بشرطين أساسيين الشرط الأول : إخلاص النية ، والشرط الثاني : المتابعة ، فإذا اختل شرط من هذين الشرطين فالعمل غير مقبول وبالمثال يتضح المقال فلو أن رجلاً صلى الظهر خمس ركعات متعمداً يريد زيادة الخير لله خالصا لوجه لا رياء ولا سمعة ، ويبتغي وجه الله والدار الآخرة ، فهل نقول يا بني أن صلاته صحيحة ومقبولة لأن نيته خالصة لله ؟!! الجواب لا يا بني ، إن صلاته غير مقبولة لعدم المتابعة ، وجاء في صحيح البخاري ( جاء رجل فصلَّى في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل لا يطمئن في صلاته، ولا يعلم أن الطمأنينة ركن وهو جاهل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: (ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ) ولم يعذره بالجهل ولم تشفع له نيته مع أنه استقبل القبلة وكبر وركع وسجد ونيته لله ومع ذلك أبطل صلاته بقوله:(ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ)، حتى قال الرجل: (والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلِّمني، فعلَّمه) وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) رواه البخاري 0 ولو أن رجلا صلى الظهر ـ على وفق السنة ومتابعا للرسول الكريم ـ أربع ركعات ولكنه أخل في شرط النية يعني الإخلاص ووقع في الرياء مثلا ، فهل نقول: إن صلاته صحيحة ومقبولة لأنه وافق السنة ؟!! الجواب لا يا بني، إن صلاته غير مقبولة لعدم تحقق الإخلاص وقد جاء في الحديث في مسلم- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ » وقال تعالى ((فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ* أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِص) وقد جمع الله هذين الشرطين في آية { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وََلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } والعمل الصالح ما كان صوابًا خالصًا، والخالص: ما قصد به وجه الله، والصواب: ما كان على شريعة الله ، ومن أقوال السلف ما رواه البيهقي بسند صحيح عن سعيد بن المسيب أنه رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيهما
الركوع والسجود فنهاه فقال : يا أبا محمد ! أيعذبني الله على الصلاة ؟ ! قال : لا ولكن يعذبك على
خلاف السنة ) وَقَالَ الفضيل بْنُ عِيَاضٍ فِي قَوْله تَعَالَى { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا } قَالَ : أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ قَالُوا يَا أَبَا عَلِيٍّ : مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ ؟ قَالَ : إذَا كَانَ الْعَمَلُ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا ؛ وَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّة0 فقال الأبن لأبيه بارك الله فيك يا أبتي لقد فهمت الآن أن (( النية )) الحسنة لا تغني من الحق شيئا وليست كفيلة لتصحيح منهج العامل ولا العمل إذ لا بد أن يكون معها موافقة السنة ومتابعة السلف الصالح وإلا ينطبق عليه هذه الآيات {قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً الّذِينَ ضَلّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } وقال تعالى {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نّاصِبَةٌ تَصْلَىَ نَاراً حَامِيَةً } فقال الأب لأبنه أحسنت أحسنت.
ثم قال الابن يا أبتِ هل يصح إعطاء الكافر الأمان أن يدخل ديار المسلمين ؟ فقال الأب هذا ما سنجيبه في المقال القادم بإذن الله فانتظرونا والحمد لله رب العالمين 0
كتبه / فيحان الجرمان