وقفة مع فكر القاعدة 2 – 5
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد 0
متابعة لما بدأناه في المقال السابق من مناقشة فكر القاعدة 0
قال الابن يا أبتِ: هل يصح إعطاء الكافر الأمان أن يدخل ديار المسلمين؟ فقال الأب نعم إنه يعطى الأمان إذا طلبه ، ويسمَّى بالمستأمِن ويصح إعطاؤه الأمان من ولي الأمر أو من آحاد المسلمين حتى المرأة لقول النبي عليه الصلاة والسلام «قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ ) فهو بمثابة عقد وعهد ، فلا يجوز لأحد أن يعتدي عليه أو يغدر به ، وقد ذكر العلماء أن الأنفس المحرمة أربعة: نفس المؤمن، والذمي، والمعاهد، والمستأمِن ( طالب الأمان )؛ فالمؤمن لإيمانه، والذمي لذمته، والمعاهد لعهده، والمستأمن لتأمينه.
والفرق بين الثلاثة ـ الذمي، والمعاهد، والمستأمِن ـ أن الذمي: هو الذي بيننا وبينه ذمة ، أي: عهد على أن يقيم في بلادنا معصوماً مع بذل الجزية. وأما المعاهد: فيقيم في بلاده لكن بيننا وبينه عهد أن لا يحاربنا ولا نحاربه ، وأما المستأمِن: فهو الذي ليس بيننا وبينه ذمة ولا عهد، لكننا أمنـَّاه في وقت محدد، كرجل حربي دخل إلينا بأمان للتجارة ونحوها، أو ليفهم الإسلام، قال تعالى (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) بل الإمام مالك أفتى أبعد من ذلك حينما سُئل أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ عَبِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ أَسَرَهُمْ أَهْلُ الْحَرْبِ ثُمَّ دَخَلَ إلَيْنَا رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ وَالْعَبِيدُ مَعَهُ ، أَيُعْرَضُ لَهُ وَيُؤْخَذُ الْعَبِيدُ مِنْهُ أَمْ لا ؟ قَالَ : لا لا يُؤْخَذُونَ مِنْهُ وَهُوَ رَأْيِي )راجع كتاب المدونة 3 / 18 0 فهذه الأنفس الأربع قتلها حرام بإجماع العلماء، لكنها ليست على حد سواء في التحريم ؛ فنفس المؤمن أعظم، ثم الذمي، ثم المعاهد، ثم المستأمن ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) أخرجه البخاري 0 وذمة المسلمين واحدة لا يجوز للمسلم أن يخفر أي يغدر وينقض عهد أخيه إذا كان أمَّن كافرًا، كما ورد في البخاري قوله عليه السلام ( ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلا عَدْلا )0
والقاعدة وزعيمها أسامة لسان حالهم أنهم أَغْيَرُ من صاحب الرسالة ومن سلف الأمة من الصحابة والتابعين ـ ومثلهم كمثل الذين تَقالُّوا عبادة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومثلهم كمثل الذي قال لرسول الله اتقِ الله يا محمد هذه قسمة ما أريد بها وجه الله حتى قال الرسول في حقه ، إن من ضئضئ هذا قوما يخرجون يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ـ لذلك تراهم يقتلون المعاهدين والمستأمنين في بلاد المسلمين وليست عنك ببعيد تلك التفجيرات التي حصلت في العاصمة الرياض في شارع العليا وقُتِل فيها عدد من المسلمين وأُرِيقت دماؤهم ، وما حصل من تفجير في مجمع المحيا زاعمين أن هذا عين الجهاد وهو والله عين الفساد 0 فقال الابن معذرة معذرة يا أبتِ عن المقاطعة هل القاعدة وأسامة لا يعلمون أن قتل المعاهد والمستأمِن حرام ؟!!! ألم يعلموا بهذه الأحاديث وبأقوال أهل العلم ؟!!! فقال الأب يا بني ليست المسألة مسألة معرفة الأحاديث وقراءتها ومعرفة أقوال العلماء وإنما المسألة هي الفقه في الدين والعمل به إن هؤلاء يأخذهم تارة الجهل وعدم الرجوع إلى أهل العلم وتارة يأخذهم الحماس والْغَيْرَةُ والاندفاع غير المنضبط بضوابط الشرع وسأذكر لك مثالا محسوسا ومشاهدا على ما أقول وهو تلك الحادثة التي حصلت ، وتناقلتها وسائل الإعلام وذلك في مسجد صبحان حينما اجتمع متبعو القاعدة والمتعاطفون معهم لصلاة الغائب على أسامة بن لادن فحصلت مشاجرة وسب واقتتال بينهم وبين إمام المسجد أو المؤذن حيث منعهم من إلقاء الخطب في المسجد بعد ما صلوا صلاة الغائب لعدم الإذن لديهم من إدارة المساجد ، ومعلوم أن الإمام أو المؤذن مسؤول عن المسجد ولكن السؤال الذي أطرحه هل صلاة الغائب على أسامة بن لادن واجبة والخطبة بعد الصلاة واجبة أيضاً ؟!!! بحيث يضرب إمام المسجد باللكمات لأجل تحقيقهما ، ومن المعلوم أن صلاة الجنازة ليست فرض عين وإنما فرض كفاية إن قام بها البعض سقطت عن الباقين ، ولذلك أتباع أسامة والقاعدة يعلمون قول رسول الله صلى الله عليه و سلم ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) وهو في البخاري ، فهم خالفوا الحديث مع علمهم به وعملوا بخلافه ووقعوا بالفسوق والكفر لأجل سنة وهي صلاة الغائب أو الخطبة بعد الصلاة فليس لديهم حكمة ولا فقه في الدين بل هم سفهاء أحلام يغلبهم الحماس والاندفاع والجهل ، وقد قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله عندما سُئل عن التفجير الذي وقع في العليا والخُبر، وحدث فيهما إزهاق للأرواح من المعاهَدين وغير ذلك فأجاب بقوله ( ولا يخفى علينا جميعاً أن الله تعالى أمر بوفاء العهود وأمر بوفاء العقود، وقال: { إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } ولا يخفى علينا أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من قتل معاهَداً لم يرح رائحة الجنة) . ولا يخفى علينا أيضاً أنه قال عليه الصلاة والسلام: ( ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً ـ نقض عهده ـ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). ولا يخفى علينا أن الائتمان أو التأمين والإجارة يكون حتى من واحد من المسلمين، وإن لم يكن ولي أمر، ولو كانت امرأة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ) ، فكيف إذا كان هذا الأمان من ولاة الأمور؟! فهذا هو عين المحادَّة لله ورسوله وعين المشاقَّة لله ورسوله، ولو قدَّرنا على أسوأ تقدير أن الدولة التي ينتمي إليها هؤلاء الذين قُتلوا دولة معادية للإسلام فما ذنب هؤلاء؟! هؤلاء الذين جاؤوا بأمر حكومتهم ولم يأتوا بأمرهم، قد يكون بعضهم جاء عن كره، ولا يريد الاعتداء. ثم ما ذنب المسلمين الساكنين هناك؟! فقد قتل عدد من المسلمين من هذه البلاد ، وأصيب عدد منهم أطفال، وعجائز، وشيوخ وهم نائمون في مأمنهم على فرشهم. ولهذا تعتبر هذه جريمة من أبشع الجرائم، ولكن بحول الله ( إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } سوف يُعْثَر عليهم إن شاء الله ويأخذون جزاءهم. لكن الواجب على طلاب العلم أن يبينوا أن هذا المنهج منهج خبيث، منهج الخوارج الذين استباحوا دماء المسلمين وكفوا عن دماء المشركين، وأن هؤلاء إما جاهلون، وإما سفهاء، وإما حاقدون. فهم جاهلون: لأنهم لا يعرفون الشرع، الشرع يأمر بالوفاء بالعهد وأوفى دِينٍ بالعهود هو دين الإسلام والحمد لله. وهم سفهاء أيضاً: لأنه سوف يترتب على هذه الحادثة من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، يعني: ليست هذه وسيلة إصلاح، حتى يقولوا:{ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } بل هم المفسدون في الواقع. أو حاقدون على هذه البلاد وأهلها 000) انتهى كلام ابن عثيمين0 يا بني إن القاعدة تسير على نهج غير نهج الإسلام الصحيح وإنما هو نهج شبيه بنهج الخوارج الذين يكفرون المسلم بفعل الكبيرة 0 فقال الابن إذن الذي فهمته يا أبتِ أنه لا يجوز قتل هذه الأنفس ( الذمي والمعاهد والمستأمن ) بغير جرم فقال الأب نعم يا بني وهذا إجماع بين أهل العلم ولا خلاف في ذلك إلا من سلك مسلك الخوارج 0 فقال الابن لقد علمتُ حُكَم من دخل ديار المسلمين ولكن ما حكم من دخل ديار الكفار عن طريق التأشيرة يريد التفجير فيها هل هو عمل مشروع وجهاد أم هو غير مشروع وإفساد ؟!!! ؟ فقال الأب هذا ما سنجيبه في المقال القادم بإذن الله فانتظرونا والحمد لله رب العالمين 0
كتبه / فيحان الجرمان