ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب (3)
د. عارف عوض الركابي
أؤكد أن تعقيبي في هذه الحلقات والتي قبلها على ما كتبه علي يس هو من باب دمغ الباطل وإظهار الحق فيما نشره من أمور تتعلق بأصول وثوابت الدين ، فالتعليق والتبيين يتجه للكلام الذي نشره مسوّقاً له ، لتبيين باطله بالحجج والبينات وإن كان بطلان ما نشره ظاهراً وواضحاً ، وليس من الضروري أن يكون الشخص المردود عليه أهلاً لأن يناقش أو يحاور مناقشة علمية
، خاصة إذا كان ليس لديه ــ فيما ظهر ــ من المؤهلات التي تؤهله للحديث في قضايا من قضايا الشريعة والعلم الشرعي ، وفي الحلقة الماضية تطرقت لما شنشن به من الدعوة لإعمال العقول في نصوص الشريعة وتمحيصها بعد عرضها على العقل ، ووجهت أسئلة عديدة هي لوازم هذه الدعوة الفاسدة التي تتبناها تيارات في القديم والحديث ، منها المعتزلة والروافض ويشاركهم فيها الليبراليون والعلمانيون وأفراخ المعتزلة العقلانيون ، وأدرك يقيناً أن علي يس ومن نقل عنهم تلك الدعوة لإخضاع النصوص حتى يكون المعوّل في قبولها أو رفضها هو العقول ، أدرك أنهم لم ولن يستطيعوا الإجابة على سؤال : عقل من الذي يحكم في الشريعة الإسلامية ونصوصها ؟! وعقل من الذي يرجح عند الاختلاف لآراء عديدة في الأمر الواحد ؟! فالعقول تتفاوت ، والشخص الواحد يرى الشيء اليوم ,, ثم يرى بخلافه في الغد .. مع التأكيد على أن العقل السليم لا يخالف النقل الصحيح البتة ، وهي مسألة معلومة وتفصيلها في مظانها مما كتبه علماء المسلمين في هذا الشأن .
وعلي يس وأمثاله ممن لم يسلكوا المنهج العلمي في ما ينشرونه ــ كعادتهم ــ (بإجمال) ، وممن لم يلتزموا بإيراد الحجج والبينات في الدفاع عما قاموا بنشره ، سيماهم (المراوغة) بعد أن يجدوا من ينكرون عليهم بالأدلة الواضحة ويكشفون أباطيلهم ، فبعد أن شتم السلف وعابهم وشبههم بالآباء والأجداد الضالين ، جاء لينكر ذلك في صحيفة التيار يوم الاثنين الماضي وقد بينت بالنقول (الكثيرة) عنه عدم صحة إنكاره ، ثم قرأت له يوم أمس الأربعاء بصحيفة التيار ــ أيضاً ــ !! تعليقاً على قوله الذي نشره في مقالاته السابقة بالانتباهة وهو قوله : (وأن النصوص الدينية تنقسم إلى «نص مطلق» لا يحتملُ النقاش في صحته، وإن كان يحتمل النقاش في تأويله حسب ضوابط اللغة، هُوكتابُ الله تعالى، و«نص نسبي» هُو كل ما نُسب إلى البشر بمن فيهم النبي نفسهُ صلَّى الله عليه وسلم، وهذا لابُدَّ من إعمال العقل فيه وفحصه «ليس مرة واحدة وفي عصرٍ واحد، كما يظن بعضهم، ولكن في كل زمان وكلما قامت الحاجة أو جدَّ شأنٌ يستوجبُ إعادة الفحص).. فإنه لما انتُقِد في هذه العبارة الخطيرة التي مفادها التشكيك في سنة النبي عليه الصلاة والسلام بل وإدعاء أنها بحاجة إلى التمحيص في (كل زمان) .. وبالتالي فإن الأحاديث التي في الصحيحين والموطأ والمسانيد والجوامع والمصنفات الحديثية وغيرها مما ثبتت صحته وتلقته الأمة بالقبول هي من المشكوك فيه ، وأن الأحاديث التي بها بحاجة إلى تمحيص بــ (العقل) !! ، فلما وجد علي يس الرد عليه والإنكار من العامة والخاصة ، جاء بكلام نشره في صحيفة التيار وهو قوله : (أن ما “نُسبَ” إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليس هُو بالضرورة ما قاله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولم ولن يفهم أن عُلماء الحديث إنما قامُوا يستخدمُون (عقولهم) في ما نُسب إلى النبي حتى يميّزوا، بقدر ما وسع اجتهادهم، ما قالهُ حقاً عمَّا نُسبَ إليه زُوراً ووضعاً، بنيَّة هدم هذا الدين، أما ما يقوم اليقين بأنه مما قاله النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم، فإنهُ يظلُّ محلاً للنظر العقلي من حيث دلالته و تأويله، فمن ذا الذي أحلَّ للسابقين من علماء الحديث استخدام عقولهم في فحص ما نُسب إلى النبي عليه السلام من أحاديث ، من ذا الذي أحلَّ لهم ذلك وحرَّمهُ على أهل زماننا؟؟ لا أرجُو أن يجيبني عن هذا السؤال سعدٌ و أمثاله من “النوائح المستأجرات” فإنهم لم يألفُوا إلا تحريف الكلم عن مواضعه!) .. هذا مما قاله علي يس يوم أمس بصحيفة التيار لتوجيه كلامه السابق بشأن أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام ، وإني لأعجب من تسفيه علي يس لعقول القراء ولعقول من يردون عليه ، فهل يا ترى قد نسي كلامه الذي نشره قبل أيام قليلة أم هي المراوغة ؟!! وهو قوله : (يا شيخ ، دع عنك الروايات المرسلة إلى بعض السلف ، فإن صحة الحديث النبوي نفسه تظلُّ ظنِّيَّة «هذا إن وافق القرآن الكريم وتوفرت له شروط التصحيح الأُخرى». والنص الوحيد الذي يخرجُ المشكِّكُ في ثبوته أو في دلالته من الدين هو كتاب الله العزيز، الذي تولَّى سبحانه جمعه وقُرآنه..) .. فقد ادعى في ما نشر قبل أيام قليلة أن صحة الحديث (ظنية) حتى لو توفرت فيه شروط التصحيح ووافق القرآن !!! فما هذا اللعب والتلاعب ؟!.. قبل أيام قليلة تنشر هذا الكلام ولمّا يتم التضييق عليك ويكشف باطلك وتجد الرد عليه تحاول هذه المحاولة المكشوفة للخروج مما تحملت مسؤولية نشره !! ولعلي يس أن يعلم وكذلك لصحيفتي التيار والسوداني أن يعلما أيضاً أن هذه (الهرجلة) التي أتى بها علي يس يخالفه فيها كل الطوائف التي تنتسب للإسلام في السودان ، بمختلف معتقداتها ومذاهبها ، فجميع الطوائف تقر بصحيح البخاري ومسلم وتصلي وتصوم وتحج وتزكي بالأحاديث التي تم جمعها وتدوينها في المصنفات الحديثية ، فالسلفيون والإخوان المسلمون والصوفية وغيرهم جاء علي يس بما يخالفهم جميعاً في شيء اتفقوا عليه ، وهي من المسلمات لديهم ، بل هي من المسلمات المجمع عليها لدى أهل السنة والجماعة في كل مصر وعصر (وأعني أهل السنة والجماعة في مقابل الشيعة) ، فمحاولة بعض الصحف (خندقة) قضية علي يس وما نشره من أفكار شيعية رافضية (خندقتها) في منبر السلام أو صحيفة الانتباهة هو إما جهل عريض أو سير على قاعدة (الغاية تبرر الوسيلة) ، ونصيحتي الأخوية لهؤلاء هي ما قلته في موضوع شبيه سابق : (فلتبحث هذه الصحف عن أمر آخر لتروج به منشوراتها) ..
ومن عجائب (من تكلم في غير فنه) أنه يكرر عبارة أن علماء الحديث (استخدموا عقولهم) .. والواجب أن يُبَيَّن أن علم الحديث قام على (قواعد شرعية) ارتبطت بموضوعات السند والمتن ، وكانت شروط الحديث الصحيح خمسة (اتصال السند ، وعدالة الرواة ، وضبطهم ، وسلامة الحديث من الشذوذ والعلة القادحة) وشرط واحد من هذه الشروط الخمسة تكتب فيه مجلدات ، فعبد الله بن عمررضي الله عنه ــ مثلاً ــ سمع من النبي عليه الصلاة والسلام وسمع من ابن عمر تلميذُه نافع ، ونافع جلس إليه مالك بن أنس ودرس عليه وكتب الأحاديث ، هذا مثال للسند ، فأمر اتصاله أمر معلوم ومنضبط وكون الرواة عدولاً فهذا موثق في كتب متخصصة في ذلك وفق منهج دقيق وأمانة علمية وديانة لأئمة وعلماء المسلمين فما الذي سيكون جديداً في هذا الشأن ؟!، ولا أدري عما يردده علي يس من أن العلماء خاضوا بعقولهم ، فهل يا ترى ليسوغ لنفسه الخوض فيها ؟!! وهو ــ أظنه ــ خريج أشعة يكتب في مسائل سياسية وبعضها أدبية ويكتب عن (فكي أبكر) و(حمار المسحراتي) وأمثالها ..
وأما عبارات علي يس المنشورة يوم أمس في صحيفة التيار مثل قوله : (؟؟ لا أرجُو أن يجيبني عن هذا السؤال سعدٌ و أمثاله من “النوائح المستأجرات)وقوله : (وسأمضي مستعيناً بالله في فضح قتلة الدين و محنِّطيه هؤلاء و ببغائياتهم وغوغائيتهم التي يحسبون أنها تحجب الحقيقة) وقوله : ( لم أقرأ، ولا ضرورة لأن أقرأ ما كتبهُ أذيال سعد، من أمثال شطة والركابي وغيرهم ولا تعجب يا شيخ من هذا التعبير، فللأذيال أيضاً أذيال لأن ما أعلمهُ يقيناً أنهم ليسوا أفضل منهُ فهماً، ولا أنجى منهُ من “المرض” و “الغرض” و “الحرض”، وما أحسبهم إلا مكررين السخف الذي قال..) .. وفي ما نشره بصحيفة التيار أيضاً يوم الاثنين الماضي من صرف الاتهامات بالارتزاق والاتهام بأكل المال بالدين والتشبيه بالرهبان … وغير ذلك مما جاد به (الصحفي والكاتب!!) علي يس ، وقد أسفت جداً أن يكون من يفاخر بأنه يكتب بالصحف لأكثر من ربع قرن من الزمان ثم تكون هذه هي منهجيته في الدفاع عن ما نشره !! وهذا هو أسلوبه في الرد على من أنكر عليه ، ويزيد التأسف عندما يجد من الصحف من تنشر له مثل هذه العبارات وبهذه المنهجية وكان حرياً بهذه الصحف إن كانت تحرص على الموضوعية أن تأتي بما نشر سابقاً وبالردود التي وجهت على ما نشره وتطلب منه إما أن يقيم أدلته (العلمية) عليها ، أو يتراجع عنها ، أما صرف السباب والشتائم فهذا لن يحميه مما يوجه إليه من إنكار تفاوت الناس فيه ، وفي أسلوبه وآلياته بل وإجراءاته !! وإن كان لي من تعليق مختصر على اتهاماته لي بأني ذيل أو ممن يتاجرون بقضايا الدين فأقول : إني أكتب الآن بهذه الصحيفة منذ أربع سنوات ولم أستلم منها حتى كتابة هذا المقال (جنيهاً) واحداً ، ومقالاتي كلها منشورة على الشبكة وأرجو أن تكون بمنهجية علمية وموضوعية ولله الحمد ، ويا ترى كم استلم علي يس من صحيفة الانتباهة من (الجنيهات) وكان من أعماله التي أخذ عليها تلك الأموال : (حوار مع المناضل إبليس) وأن الملائكة انتهازيون !! وأن إخراج إبليس من الجنة هو عمل ديكتاتوري ..!! أعوذ بالله من الضلال والخذلان..
وأواصل في الحلقة الرابعة إن شاء الله