{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ }
سالم بن سعد الطويل
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلقد انطلق الدعاة إلى الله تعالى واجتهدوا في إصلاح بلادهم ومجتمعاتهم آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر قياماً بالواجب الشرعي وصيانة للمجتمع من العقوبة والعذاب.
لقد وضع الدعاة إلى الله نصب أعينهم قول الله عز وجل { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } (الإسراء: 16)، وتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: »إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب« (رواه ابن ماجه (4005) وصححه الألباني (1564))، وتذكروا أيضاً ما روته زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً يقول: »لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه«، وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش: فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: »نعم إذا كثر الخبث« (رواه البخاري (3346) ومسلم (2880))، أقول: فاجتهد الدعاة إلى الله تعالى في إصلاح ما أفسده الظالمون فظهر هنا وهناك مصلحون لإزالة الظلم الذي هو سبب الهلاك كما قال تعالى: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ }، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره: «أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة لنفسها ولم يأت قرية مصلحة بأسه وعذابه قط حتى يكونوا هم الظالمون كما قال تعالى: { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ }، وقال: { وَمَا رَبُّكَ بظلام لِلْعَبِيدِ }« انتهى كلامه.
وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسيره للآية: أي وما كان الله ليهلك أهل القرى بظلم منه لهم والحال أنهم مصلحون أي مقيمون على الصلاح مستمرون عليه، فما كان الله ليهلكهم إلا إذا ظلموا وقامت عليهم حجة الله ويحتمل أن المعنى: وما كان ربك ليهلك القرى بظلمهم السابق إذا رجعوا وأصلحوا عملهم فإن الله يعفو عنهم ويمحو ما تقدم من ظلمهم. انتهى كلامه
اختلاف طرق الإصلاح
من أجل الإصلاح وتغيير المنكر وإنقاذ البلاد والعباد ونشراً للفضيلة ودحضاً للرذيلة والفساد قام أفراد وجماعات وأحزاب وجمعيات وجرى بينهم نزاع وخلافات حتى أحدثوا فساداً من وجه آخر، ودبَّ بينهم الحسد والحقد والنزاع والفشل والتقاطع والتدابر وقد وجد فيهم من يسبّ بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً، ويخون بعضهم بعضاً ويكفر بعضهم بعضاً! وهذا وإن كان مؤسفاً إلا أنه الواقع الذي ليس له دافع.
بعض صور الطرق والمناهج التي زعم أهلها أنهم مصلحون
فمنهم من رأى أن الجهاد هو سبيل الإصلاح وبه يرد للأمة عزها وشرفها ومكانتها فأخذ يفجر ويقتل ويسفك الدماء باسم الجهاد، ومنهم من ركب السياسة وخاض الديموقراطية وزعم أن طريق الإصلاح هو الوصول إلى أعلى المناصب وزعم أن من أعلى يمكن تغيير واقع المسلمين، فبدأ بالسياسة على أنها وسيلة فانتهى بجعلها غاية حتى أصبح ديموقراطياً أكثر من الغرب، وجعل نفسه من حماة الدستور بل واعتبر الدستور من الثوابت التي لا يجوز المساس بها!
ومنهم من اهتم بجمع الأموال واعتبر المال عصب الحياة وبالمال يصلح المجتمع، إلا أن بعضهم فُتن بالمال لما كثر بين يديه خصوصا أن المتبرعين والمتصدقين والواقفين لا يتابعونه وهو يقلب الأموال الطائلة بيديه ولا حسيب عليه ولا رقيب!
ومنهم من رأى أن الطريق إلى إصلاح المجتمع هو الكلام على الولاة وتكفيرهم والتشهير بهم حتى رفع عن نفسه والآخرين التكاليف الشرعية ومنهم من بدأ وانتهى في إصلاح حال الناس – بزعمه – في هجومه على الدول الكبرى الكافرة وبيان مخططاتهم ومؤامراتهم حتى غلوا غلواً كبيراً.
فلربما لو طلق الرجل امرأته لقالوا بسبب امريكا، ومنهم من اتخذ حزباً هرمياً ترأسهم فيأمرهم وينهاهم ويمتثلون أمره، ورضي بما هو عليه وهذا النوع قد كثر في الآونة الأخيرة وإن كان لا يظهر بالساحة إلا الأحزاب الكبيرة منها ومنهم من اتخذ طريق الزهد والتقليل من الدنيا وترك التوسع فيها غير أنه لا يسلم من التصوف والبدع المحدثات.
ومنهم ومنهم والمقصود لماذا هؤلاء الدعاة – المصلحون بزعمهم – لا يرضون بالنقد والتوجيه ولا يقبلون نصيحة من ينصحهم؟ بل ينظرون إلى الذي ينصحهم بأنه عدو للدعاة لا هم إلا الطعن بإخوانه وسلم منه فارس والروم ولم يسلم منه الدعاة المصلحون! فيا ليت شعري هل الدعاة أنبياء معصومون لا خطأ لديهم؟ أو انهم ذوات مقدسة لا يجوز مساسها بانتقاد؟
ثم لماذا الدعاة ينصحون الناس ولا يقبلون النصيحة؟ وينتقدون الناس ولا يقبلون الانتقاد؟
أكثر الناس يكرهون أمرين
أولا: النصيحة ممن لم يطلبوها منه.
ثانياً: محاولة التعديل والتقويم طبيعي جدا أن الدعاة لا يقبلون النصيحة لأنهم بشر كسائر البشر ويصعب على نفوسهم السماع لمن يقومهم، لكن المسلم عليه أن يتقي الله فإذا ظهر له الحق وجب عليه أن يتبعه طاعة لله وابتغاء لمرضاته وعلى كل داع إلى الله تعالى أن يعيد النظر في منهجه ودعوته فيصحح الخطأ، يجعل الأصل في دعوته الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة وليجعل الكل منا الإخلاص لله نصب عينيه.
والله أسأل لي ولكل مسلم التوفيق والسداد، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
www.saltaweel.com
تاريخ النشر 06/04/2009