يقول السائل: يسأل عن الأحاديث الواردة في سند الترمذي المسند للإمام أحمد، والتي تفيد بأن من جاء على الصلاة كلها للنبي –صلى الله عليه وسلم– يكفى همه ويغفر ذنبه بحسب الرواية الأولى، ويكفى ما أهمه من الدنيا وآخرته بحسب الثانية، هل يعني هذا فعلًا يندب أن يترك المرء الدعاء لنفسه وأهله وسائر المؤمنين في سبيل تخصيص كل ما يسعه تخصيصه من وقت للدعاء للصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم– أم أن هذا تكلف وتأويل غير صحيح لهذا الحديث؟
يقال جوابًا على هذا السؤال: قد أخرج الإمام أحمد والترمذي وغيرهما من حديث أبي بن كعب، وفي الحديث قال: «أجعل لك صلاتي كلها، قال: إذن تكفى همك»، الحديث، ولما قال: تكفى همك ويغفر ذنبك.
وهذا الحديث ينبغي أن يعرف من جهة الرواية والدراية، أما من جهة الدراية، فقد قال ابن القيم في كتابه “جلاء الأفهام”: سألت شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الحديث، فقال: إنه كان لأبي دعاءٌ جعله لنفسه، يعني جعله دعاءً معينًا ينفرد ويدعو الله في هذا الوقت، فذكر له النبي –صلى الله عليه وسلم– في هذا الحديث أنه لو ترك دعاء الله في هذا الوقت الذي خصصه للدعاء واشتغل بالصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم– فإنه يكفى همه ويغفر ذنبه.
فإذن، ليس معنى الحديث أن العبد لا يدعو وإنما يستمر يصلي على النبي –صلى الله عليه وسلم– في كل وقت، هذا خطأ، ومخالف للهدي النبوي من جهة صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم– ومما أمر الله به في القرآن، وذكر عن أهل الإيمان من الدعاء لله –عز وجل– إلى غير ذلك.
فإذن حديث أُبي محمول على أن لأُبي –رضي الله عنه وأرضاه– وردًا، ووقتًا قد خصصه للدعاء، فبين له النبي –صلى الله عليه وسلم– في هذا الحديث أنه لو اشتغل بالصلاة عليه لكفي همه وغفر ذنبه، هذا من جهة الدراية.
أما من جهة الرواية، فإن في إسناد الحديث عبد الله بن محمد بن عقيل، ومثله –والله أعلم– إذا تفرد بحكم شرعي فإنه لا يقبل منه؛ لأنه على أصح أقوال أهل العلم ليس بذاك القوي في الحفظ، فمثله لا يقبل ما تفرد به من أحكام شرعية؛ لذا الذي يظهر لي –والعلم عند الله– أن مثل هذا الحديث لا يصح؛ لأن في إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل.