يقول السائل: ما الرد على هذه الأبيات؟:
عجبًا لمن ترك المذاهب كلها……. ويقول هذه بدعة الأزمان.
وإذا نظرت لحاله متأملًا………… لرأيته قد قلد الشوكاني.
لا فرق بين مقلد للأربعة……….. ومقلد للعالم الحراني.
قالوا: لأقوال النبي محكِّمًا………. ما صح وقد ضعف الألباني.
فكلى الفريقين يكون مقلدًا…….. كفوا عن البهتان والهذيان.
يُقال جوابًا عن هذا السؤال: هذه الأبيات فيها الرد على من يذم التقليد، وينبغي أن نكون وسطًا في هذا الباب، بلا إفراط ولا تفريط.
والأصل عدم التقليد، واتباع الدليل من الكتاب والسنة، لمن كان أهلًا لذلك، أو أمكنه أن يعرف ذلك حتى من العوام وغيرهم، فإن من ظهر له الدليل، فيجب عليه أن يعمل به، بإجماع أهل العلم، كما قال الإمام الشافعي: “أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فليس له أن يدعه لقول أحدٍ كائنًا ما كان”.
بل حتى العامي إذا ظهر له الدليل فيجب عليه أن يعمل به، كما بين ذلك شيخ الإسلام وغير واحد من أهل العلم.
فإذًا التقليد يجوز في صور بالإجماع، فالعامي الذي لم يظهر له الدليل ولم يعرفه فإن له أن يقلد بالإجماع، ذكر هذا ابن عبد البر رحمه الله تعالى في كتابه جامع بيان العلم وفضله.
وفي صور يحرم التقليد بالإجماع، أي ليس لأحد أن يرد كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم تقليدًا لأحدٍ، وهذا الذي ذم الله الكفار عليه، وعُذِّبُوا بسببه لما قال: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب:67].
فإذًا التقليد ليس محرمًا على الإطلاق، وفي المقابل ليس جائزًا على الإطلاق، بل لا بد من التفصيل فيه، فمن ظهر له الدليل فيجب عليه أن يعمل بالدليل، وليس له أن يدع الدليل لقول أحد كائن من كان.
وبعض الناس يحارب تقليد المذاهب الأربعة، والتقليد المذموم سواء كان للمذاهب الأربعة أو غيرها فهو مذموم، لكن ينبغي أن يعلم أن هناك فرقًا بين التقليد المذموم، وبين الانتساب للمذاهب الأربعة.
فإن الانتساب إلى المذاهب الأربعة كانتساب الرجل إلى بلده أو قبيلته أو غير ذلك؛ لأنه من باب الإخبار، يخبر أنه تفقه على المذهب الحنفي، أو المالكي، أو الشافعي، أو الحنبلي، وهذا الإخبار ليس مذمومًا ما لم يكن فيه تعصب، وقد ذكر هذا الكلام شيخ الإسلام ابن تيمية كما في “مجموع الفتاوى”.
وقد يوجد من بعض الناس ذم للتقليد وترى في المقابل يقلد الشوكاني وغيره، وهذا أيضًا خطأ، وقد يوجد في المقابل من يتعصب للمذاهب الأربعة ويتخذ موقفًا من الشوكاني وغيره، وهذا خطأ.
والألباني رحمه الله تعالى عالم كبير، وهو مجدد هذا العصر في علم الحديث، وهو مثل غيره من العلماء البارزين في علم الحديث فيما مر من القرون الماضية، فلا يجوز أن يتعصب أحد له، ولا عليه، بل يجب أن يُعرَف قدره، وأن يُذكَر بالجميل، وأن يُشكَر على ما فعل من الجهاد العظيم في بيان سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وبيان صحيحه من ضعيفه حتى أصبح مجددًا لهذا العصر، كما ذكره الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى.
لكن في المقابل لا يجوز التعصب له، ولا التعصب عليه، ولا أن يبخس حقه، ولا أن يبالغ فيه، بل يُعرَف قدره ويُثنَى عليه.
وبعض الناس قد اتخذ موقفًا من الإمام الألباني، إذا رأى أحدًا أثنى عليه ظن هذا غلوًا، وهذا خطأ.
فينبغي أن يُعرَف قدره، وأنه عالم مجتهد، إذا أصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر واحد، وقد نفع السنة نفعًا عظيمًا، وجدَّد هذا العصر في بيان الحديث الضعيف من الصحيح.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمَنا ما يَنْفَعَنَا، وأن يَنْفَعَنَا بما عَلَّمَنا، وجزاكم الله خيرًا.